الرب يعزّيك

لو يدرك الإنسان مقدار الحزن وأنهر الدموع في العالم، ليُسحق أو يجنّ من اليأس والرعب. أما الكتاب المقدس فيمنحنا تعزية وعونا في أعماق الظلمة، أوحى الرب الرحيم للنبي إشعياء الكلمة الممتلئة برجاء: "كإنسان تعزيه أمه، هكذا أعزيكم أنا" ( أشعياء 66: 13). جعل الله الحنون محبة الأم ولطفها  رمزا لمحبته الخاصة. من يريد أن يفهم تعزية الله فليتأمل كيف تعزي الأم أطفالها. عندئذ يتقدم إلى معرفة تعزية الرب الأزلية. وتدَفئهم ساعة يكون البرد. وتسرع وإياهم إلى الطبيب، أما الأم فتلد بأوجاع، وأصبح أولادها جزءا من ذاتها، وتشعر بالمسؤولية عنهم، وتراقبهم، وتنتبه إليهم ليلا نهارا، وترضعهم ساعة يجوعون، وتنظفهم مرارا كل يوم، وتحضنهم، وتداعبهم، وتتحدث معهم، رغم أنهم لا يفهمون بعد ولا كلمة، كما ترتل لهم. وتحس بما يحدث لابنهاولا تترك طفلها معزولا، بل تعتني به، وتحبه، وتصلي لأجله، لأنه الأمانة الموضوعة بين يديها من الله. فالأم ممتلئة بالنعمة والمحبة تجاه أبنائها دون انقطاع. وعندما يكبر الأولاد ويصبحون في سن المراهقة، تشتري لهم الملابس والأحذية حسب ذوقهم. كما تقوم بالغسيل والطبخ والنظافة لأجلهم. وهي تختار المدرسة الأفضل لأولادها، إذا كان الأب غائبا. ودائما تفضل المدرسة التي تربي وتعلم. كما أنها بعد عودتها من المدرسة تقوم بتعليمهم، وإقامة الوظائف، وعندما يخطئ ولدها تؤنبه، أو تؤدبه مع الرجاء أن يصبح أفضل، وتحذره من خطر المخدرات، ومن إقامة العلاقات الجنسية، أو ممارسة الاتصال بالأرواح، وتحاول أن تجد له الأصدقاء الصالحين. وهي في ذاتها القدوة الفضلى لأولادها.  ويعرف الفتى أنه يحق له الرجوع إلى البيت رغم أخطائه ويخبر أمه ويعترف لها بكل مشاكله. وهي تمتص مشاكله وتخبئها في قلبها. وتظهر أمامه دائما كأنها لا تتعب. وتعَلم أولادهَا الإيمان الحق. وتروي لهم قصصا عن عظائم الله.

 

لطف الله وتعزيته

محبة الأم العملية، وعطفها الحنون، واستعدادها للتضحية، وصبرها هي دليل على محبة الله وتعزيته التي تفوق كل ما تعمله الأم. فالله ممتلئ بالمحبة لكل من يلتجئ إليه، أعلن الرب:

 

"أنا أنا هو معزّيكم" (أشعياء 51 : 21).

 يؤكد خالق الأكوان، وضامنها للنبي وشعبه خلال سبيهم، أنه هو مستعد أن يعزيّهم، ويعينهم، شرط أن يلتفتوا نحوه، ويسلموا أمرهم إليه. فهو القادر، ويشاء أن يعين، ويعزّي. فإن وجدت في حياتك مشكلة، فلا تتمسك بها، بل سلمها إلى ربك، وسترى أن الرب هو القدير. خلقنا الخالق، ومنحنا الحياة، والقوة، والعقل، والإرادة، والحكمة، والجسد، والنفس. ولسنا حجارة ميتة، ولا نباتا أصم، بل أناس أحرار، مع قلب وذهن وضمير. يعرف العليم مواهبنا وضعفاتنا، ويعلم الطريق المستقيم لأجلنا، ويشاء أن نسلك في الأعمال التي أعدّها لأجلنا(افسس2: 10). وعنده خطّة لأجلك، ويعتني بك أكثر من الوالدين. هو يبغي الأفضل لك. لا يتركك وحيدا في الخوف والذنب والانفعال. يعتني بك ويعلمك أن تصلي: "خبزنا كفافنا أعطنا اليوم". ولا تنسَ أنه فتح أمامك باب العلم. ويعرف مسبقا الزوج المناسب لك. فيسهر عليك، ويحميك من مكر الشيطان وحيلته. فسلم حياتك إلى الله الأبوي، فيهديك بصواب. يتطلب الفساد في العالم دينونة الله. أما القدوس فلم يسمح بعد للفناء الفرصة، بل أرسل ابن مريم إلى دنيانا، ليدعو كل نفس إلى التوبة، وليكفر عن خطايا الخطاة.

 

"هكذا أحب الله العالم، حتى بذل  مسيحه، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية"

(يوحنا3 : 15 -16).

 

كما أن الأم تنظف أولادها يوميا مرارا، هكذا يريد الله القدوس أن يطهرك، ويقدسك، ويُصلحك. يستعدّ الرحمن الرحيم، أن يتدخل ليساعدك حتى في أرهب ساعات الضيق، ويغفر لك ذنوبك، والمخفية منها، إن اعترفت بها أمامه. فهو يحبك، ويريد أن يتكلم معك مباشرة، ويترقب رجوعك إليه. فمتى تشكره لأجل محبته، وتسلمه أسرارك، وخفاياك، وتتعلم السلوك حسب إرادته البناءة. هو يستقبلك بذراعيه الممدودتين. أما خطة العلي فتمتد أكثر إلى المستقبل إذ يقصد أن يتبنّاك شخصيا، حتى تصبح له ابنا شرعيا، ويشاء أن يمنحك من روحه القدوس، لكي تصبح ابنا روحيا له. إن محبة الله أعظم من عقولنا، ويقصد أن يهبك حياته الأبدية إلى جسدك الفاني. تقدم إليه، واطلبه فتجده حسب الوعد: "تطلبونني فتجدونني إذ تطلبونني بكل قلوبكم" (أرميا29: 13).

 

تعزية المسيح ولطفه

 

"طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون" (متى5 : 4)

 

أتى المسيح إلى عالمنا الحزين، بملء محبته، وممتلىء بالرحمة والحنان. تحنن على البشر، لأنهم كانوا منزعجين، ومطروحين كغنم بلا راعي(متى9: 36). دعا تلاميذه أن يلتفوا من حوله دون أن يُخضِعَهُم، فكان قدوة لهم، وأرشدهم بلطف. عندما أراد يوحنا وأخوه أن ينزلا نارا من السماء على الذين رفضوا إضافتهم، انتهرهما وقال لهما:   " لستما تعلمان من أي روح أنتما ؟" (لوقا 9: 55 ). وعندما أنكره بطرس مقدام التلاميذ، رغم أنّ يسوع حذره سابقا، فبكى بطرس بكاءً مُرّا. أما المقام من بين الأموات طلبه خاصة، وغفر له، وعزّاه. (1كورنثوس15: 5). عندما سلم الخائن يهوذا معلمه إلى أعدائه بقبلة، فلم يلعنه أو ينتهره، بل قال له: " يا صاحب، لماذا جئت؟ أ بقبلة تسلم إبن الإنسان؟" (متى 26: 50؛ لوقا 22: 48). يسوع هو محبة الله المتجسد، وصبره المتأنس. كان رحيما كما أبوه الروحي في السماء هو رحيم ( لوقا 6: 36). قادته رأفته بالمساكين، والمرضى إلى شفاءاته المدهشة العجيبة.  ولما رأى الأرملة الباكية، التي اتجهت لدفن ابنها الوحيد، أوقف المسيح موكب الحزن، وأقام ابنها وسلمه إلى أمّه. وعندما تقدّم الرجال البرص المحرومون من الاقتراب إلى الأصحاء، وطلبوا منه الشفاء، فلم يطردهم، بل حررهم من برصهم بسلطة كلمته. وعندما التقى بالملبوسين، وصرخت الأرواح النجسة لرؤية يسوع، لم يبتعد عنهم، بل حرّر العبيد من أرواحهم النجسة بكلمته الفعالة.

أسكت يسوع العاصفة في البحر، لينجي تلاميذه من الغرق، وأشبع خمسة آلاف من مستمعيه الجياع بخمسة أرغفة وسمكتين، وبارك الأولاد، وغفر ذنوب المفلوج الذي أنزلوه من ثقب في السقف، وقال لأخت ليعازر:"إن آمنت ترين مجد الله" (يوحنا 11: 40). أحب يسوع الجميع، وحتى خصومه، وأبصر خطايا الناس، وعرف أنهم غير قادرين أن يخلصوا أنفسهم بأنفسهم، لهذا رفع خطايا العالم على كتفيه، وكفر عنهم، كما أعلن الوحي للنبي أشعيا: "لكن أحزاننا حملها، وأوجاعنا تحملها. ونحن حسبناه مصابا، ومضروبا من الله، ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحُبُره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا". ( اشعيا 53: 4-6 ).

 

أوجد ابن مريم فداء العالم، والبرّ المقبول عند الله، لأجل  الذين يثـقون به. أهلنا بموته الكفاري، لننال الروح المعزي من الله.

 

حلول الروح المعزّي في أتباع المسيح

مَن ينفتح لمحبة الله ولرحمة المسيح الشافية، ويقبل كفارته الكاملة، ينلْ روح التعزية، وهو روح الحق. وعد يسوع أتباعه قبيل وفاته:

 

"أنا أطلب من الآب أن يعطيكم معزيا آخر، ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحق، الذي لا يستطيع العالم أن يقبله،

لأنه لا يراه ولا يعرفه، أما أنتم فتعرفونه، لأنه ماكث معكم، ويكون فيكم"

(يوحنا 14: 16-17،26؛ 15:26؛ 16: 7-14 ...الخ).

الروح المعزّي هو موعد الآب، الذي يمنح باسم المسيح لكل من يطلبه منه (لوقا 11: 13). يعلمنا هذا الروح القدوس الحقيقة عن الله، وعن أنفسنا، وعن الشيطان، ويفتح بصائرنا للحق الإلهي، ويخاطب أفئدتنا، وينشئ الإيمان المستقيم فينا، و يمنحنا اليقين الغير متزعزع. هو محامينا يوم الدين، ويعزينا إن بكتتنا ضمائرنا.

يرشدنا روح الحق في كل نواحي حياتنا، حسب شهادة بولس الرسول: " كل الذين ينقادون بروح الله، هم أبناء الله"  (رومية 8: 14).

يعيننا هذا الروح المعزي في فشلنا، وخيبتنا، وغبائنا، ويمنحنا الاطمئنان، والسلام، والحفظ في الخطر المحدق، وينصرنا على خوف الموت. ويلهمنا هذا الروح لنصبح حكماء و ودعاء، ويغلب على خطايانا إن أبغضناها. روح الله هو قدوس، ويشاء أن يقدّسنا،  ويهدينا إلى الاعتراف أمام الله، ويحثنا للصدق والطهارة والمصالحة. لا يمجد المعزّي الإلهي نفسه، بل ابن مريم الفادي، ويفهمنا بيّنات محبته. روح الله هو الحياة الأبدية، والقوة التي لن تزول، يعزينا في كل حين، ويغلب موتنا بحياته، ويمكث فينا إلى الأبد. يحل هذا الروح المعزي في أتباع المسيح، ليس لأجل صلاحهم الخاص، بل لأجل إيمانهم بكفارة المسيح وحده. يغيّرهم هذا الروح  في  سلوكهم،  لتظهر  فيهم  محبة  الله،  وجودته  ولطفه ويرشدنا هذا المعزي لنشر كلمة الله، ولنخدم المساكين، ويملأنا بالحمد، والشكر، ويريد المعزي الحنون أن يبدلنا إلى معزيين كما صلى الرسول بولس : "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح،  أبو الرأفة، وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة، بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله". ( 2كورنثوس1: 3-4).

 

لا يغيّر روح الله الأحوال المدنية حولنا أولا، بل يغيّرنا نحن بفداء المسيح. تشتاق قلوبنا إليه، ونستلم قوة نعمته من خلال آيات الإنجيل. مَن يقرأ كلمات المسيح، ويحفظها، ويعمل بها، يصبح إنسانا سعيدا.

 

هل اختبرت تعزية الله؟

إن أردت أن تعرف أكثر عن حقيقة الروح المعزي الإلهي، نرسل لك مجانا إنجيل المسيح مع التأملات والصلوات لتجد السلام مع الله في وسط الحياة المظلمة.

 

عزّ البائسين من حولك 

إن منحتك هذه النشرة رجاء وتعزية، سلمها إلى طالبي السلام مع الله، ليستنيروا في ظلمتهم. أخبرنا كم من هذه النشرة تعزم على توزيعها، لنرسل لك عددا محدودا لخدمتك المعزية.

 

الحياة الفضلى

ص ب 226- مزرعة يشوع - المتن - لبنان

E-mail: family@hayatfudla.org

www.hayatfudla.org