اللهُمَّ ارْحَمنِي أنا الخَاطِئَ

كان معلّم كفيف يزور بعض العائلات في  بيوتهم وقرأ عليهم مقتطفات من الكتاب المقدس، وذلك من خلال مس أصابعه للخط النافر،أي بطريقة "بريل". وقد استغرب المستمعون من مقدرته الفائقة في القراءة، إذ كانت عيونهم مشدودة وهي تتابع حركات الاصبع المتنقل بين الأسطر باحثا عن الأحرف وفي نفس الوقت مراقبين صحة قراءته. اختار المعلم الأعمى مشهدا مثيرا حدث في المعبد المركزي في بلادهم، و رواه عليهم: "إنسانان صعدا إلى المعبد ليصليا، واحد تقي متدين والآخر لص. أما المتدين فوقف يصلي صامتا في نفسه هكذا: اللهم، أنا أشكرك أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا اللص. أصوم مرتين في الاسبوع واُعَشّر كل ما أقتنيه. أما اللص فوقف من بعيد، لا يشاء أن يرفع عينيه نحو السماء، بل قرع على صدره قائلا: اللهم، ارحمني أنا الخاطي"( لوقا 18: 13). توقف المعلم عن القراءة و وجه كلامه للمجتمعين حوله: ليفتكر كل واحد في نفسه ويطرح عليها السؤال:" من أكون؟ وفي أية خانة أصنف؟" هل مع التقي المتدين؟ أم اللص التائب؟ أليس الرجل التقي قدوة لامتنا؟ إذ ادعى انه لم يزنِ، ولم يسرق، ولم يظلم أحدا، بل كان ملتزما بشريعته الدينية، يصوم مرتين في الأسبوع، ويقدم الزكاة والصدقات، ويأخذ بيد المحتاجين ؟

خيم صمت رهيب على المكان، لم يكسره إلا صوت شيخ كبير في السن، الذي أجاب: " نحمد الله أن باستطاعة الإنسان أن يقترب من ربه، متى أراد ذلك، من  خلال الإخلاص في الصلاة ومساعدة المحتاجين والفقراء، لكن هذا التقي المتدين، مجّد نفسه في صلاته، وعظم أفعاله الخاصة، ولم يذكر الله، ولم يحمده، أو يشكره على أعماله العجيبة، فالتقوى دون التواضع تؤدي إلى الاستكبار، والدعاء بدون إنكار الذات يُعَدّ أنانية ".

أكد المعلم الكفيف نصيحة الشيخ وقال: " لقد انقلبت قلوب المتدينين وأصبحت متحجرة، وأذهانهم متكبرة، فلا يُدركون حقيقة الله، ولا يعرفون حالة أنفسهم، على الرغم من حفظهم لنصوص الوحي عن ظهر قلب. يظهر أن التقوى الدينية دون خوف الله تعتبر مزيفة، وخالية من المحبة. فالمصلون الذين يرتكزون في صلواتهم على ذواتهم، ويمجدون أنفسهم، فهذا يزيدهم تكبرا وجبروتا، إذ ينبغي عليهم أن يسألوا أنفسهم: هل صلواتنا موجهة لله أم لذواتنا؟ هل نفكر في الرب ونحمده أو نمجد"قبيلتنا"؟

سال شاب من بين الحضور المعلم الكفيف: "لماذا نصلي؟ هل هناك نفعٌ من الصلاة؟ من يسمع لكلامنا؟" أجاب المعلم الكفيف:"هل يرى المبصر ما وراء الأفق؟ انه يؤمن باستمرارية دوران الأرض دون أن يرى ما وراء الأفق. مثلما نتصل هاتفيا من القاهر إلى باريس، ومن الدار البيضاء إلى طوكيو، ونثق بأن نسمع صوت الصديق المراد التحدث معه شخصيا، دون أن نرى ملامح وجهه، فكم بالأحرى للمؤمن الذي يثق بالله القدير أنه  يسمع لصلواته، ويستجيب لأدعيته النابعة من القلب المتواضع والمحب". تابع الكفيف شرحه، فانتقل إلى صلاة اللص، وقال:  "الحمد لله الذي هدى اللص ليترك جرمه، وتاب وعاد إلى ربه، وتجاسر أن يقترب منه، وانتصر على صوت ضميره، وتمتم دعاءه نحو الرحمان الرحيم. إن الصلاة الذي رفعها إلى ربه تبين أنه ما زال يؤمن بوجود الله وسلطانه وقدرته. إذ سماه اللهمّ، مُوقِناً أن الله واحد، في قوته وكلمته وروحه. شعر اللص التائب  بقداسة الرحمان، ووثق برحمته من جهة، وخاف من دينونته على جرمه وخطاياه من جهة أخرى. لقد كان متأرجحا بين لطف الله وعدله المستقيم. وكان معتقدا أن ربه سيدينه في سبيل الحق ويلقي به في الهلاك مباشرةً، ولكن بنفس الوقت تمسك برحمة القدوس، وآمن بأن لطفه أعظم من عدله، وانّ القدير يستطيع أن يُنشئ كفارةَ لفرط محبته، و يُمحو خطايا المذنبين، إن التجأوا إليه، وارتموا بين يدي الديان الرحيم، لذاك قال: "اللهم، ارحمني أنا الخاطئ".

تعمق المعلم الأعمى في كلام التائب أكثر، و أضاف قائلا: "اعترف المجرم بأنه لم  يخطئ أخطاء كبيرة أو صغيرة فحسب، بل اعترف أن  ذاته أصبحت نجسة وفاسدة، ومرفوضة كلية من قبل الله، لأنه  عندما اقترب من القدوس، ظهرت له حالته الحقيقية، فلا يبقى فيه شيءٌ صالحٌ أمام عيني الرب،  بل أصبح من الظالمين. هناك أقلية من الناس الذين يعرفون حالة أنفسهم، ويعتقدون أنهم محترمون ومستقيمون، لكن من يقف في نور الله الكاشف لِنِيَاتنا وأقوالنا واعمالنا يتضح له فورا أن ليس أحد صالح إلا الله. فطوبى للّص التائب لأنه أدرك حالة نفسه، ورجع إلى خالقه، والتمس منه رحمة، واعترف بفساده أمامه، واصبح حكيما، مبصرا حنان الله ومحبته. إن الرب لا يرفض و لا يبعد التائب الذي يرغب في تغيير قلبه، ويتمني إصلاح سلوكه، ويشتاق إلى تطهير ضميره، فالرب يعلن له طريق الخلاص، ويقدم له عون النجاة، والكفارة الإلهية، والتبرير الحاضر لكل نادم". استمرّ المعلم الكفيف و المبصر القلب، وسال الحضور: "هل تعرفون القرار النهائي الصادر على لسان المسيح ابن مريم، بالنسبة للرجل المتدين واللص التائب؟" فتح كتابه واخذ يحرك أصابعه متبعا الأسطر المحفورة، وبدأ في قراءة قرار المسيح: "أقول لكم أن اللص التائب نزل إلى بيته مبررا دون ذالك، لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع." ( لوقا 18: 14)

أيها القارئ العزيز، امتحن نفسك مرة أخرى: هل أنت مكتفٍ بتقواك ومتكبر بأعمالك الصالحة وراض  عن سلوكك، أم أنك تشعر بتأنيب الضمير على خطاياك، ونادم على ما فعلته في حياتك؟ تأكد أن كل من يستكبر ويرى نفسه عظيما يسقط حتماً، أما من يتوب، ويرجع إلى ربه، ويعترف بذنبه أمامه، ويندم عليها ينال رحمة وتبرير من كفارة ربه وعظمة نعمته.

 

صلاة التوبة

صلِ معنا صلاة النبي داود، الذي اعترف بذنبه عندما أدانه الرب على عمله المشين، إذ زني بإمرة وأمر بقتل زوجها.

 

ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك امح معاصي اغسلني كثيرا من إثمي ومن خطيئتي طهرني لأني عارف بمعاصي و خَطِيئَتِيِ أمامي دائما. إليك وحدك أخطأتُ والشر قدام عينك صنعت، لكي تتبرر في أقوالك وتزكو في قضائك. هأنذا بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي. ها قد سررت بالحق في الباطن، ففي السريرة تُعرفُني حكمة. طهرني بالزُّوفَا فَأَطهُر. إغسلني فأبيض أكثر من الثلج. اسمعني سرورا وفرحا فتبتهج عظامٌ سحقتها. استر وجهك عن خطاياي وامح كل آثامِي. قلبا نقيا اخلق فيًّ يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي. لا تطرحني من قدام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني. ردّ لي بهجة خلاصكَ وبروح منتدبة اعضدنِي. فأعلم الأَثَمَةَ طُرُقََكَ، والخطاةُ إليك يرجعون. نجّني من الدماء يا الله إله خلاصي فيُسَبحَ لِسَانِي بِرَّكَ. يا رب افتح شفتي فيخبر فمي بتسبيحك لأنك لا تسر بذبيحةٍ و إلا فكنت أقدمها.بمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره ( مزمور 51: 1- 17)

 

تعمق في كلمة الرب

إن أردت أن تعرف أكثر عن قداسة الله ومحبته الحنونة اكتب إلينا لنرسل لك مجانا إنجيل المسيح حسب البشير متى مع التأملات   والصلوات .

 

وزع بشرى الخلاص في محيطك

إن أثر فيك هذا المنشور ورغبت أن تشاركه مع أصدقائك، فنحن مستعدون أن نرسل لك عددا محدودا مجانا حسب استطاعتك في توزيعه.

 

نحن في انتظار رسالتك ونطلب إليك أن لا تنس عنوانك الكامل ليصلك جوابنا

 

الحياة الفضلى

ص ب 226- مزرعة يشوع - المتن - لبنان

E-mail: family@hayatfudla.org

www.hayatfudla.org