يجتهد المرء ليؤمّن بقاءه ويجمع الأموال لعيشه،
فيبذل ما في وسعه من وقت وجهد، ليكوّن
ثروة مريحة. أما ابن مريم
فيقول:" لا يقدر أحد أن يخدم
سيدين، إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن
تخدموا الله والمال"
(متى6: 24). حاول داود أن يحلّ هذه المعضلة بطريقته التعبدية
فأمر الأصوات التي تزقزق في باطنه أن تلتزم الصمت، حتى يستطيع أن يتمعن ويرتكز في
الرب وحده. أراد أن لا يشوش عليه فكرا آخر، وأن لا يسمع صوتا غريبا، سوى أن
يقف في حضرة الله، ويصغي لصوته:
باركي يا نفسي الرب،
الذي يغفر جميع ذنوبك. الذي يشفي كل
أمراضك. الذي يفدي من الحُفر حياتك.
الذي يكللك بالرحمة والرأفة.
(مزمور103: 1-4)
ابتدأ النبي داود مزموره آمراً نفسه بالخشوع وندرك منه أن
الصمت أمام الله ليس بالأمر السهل، لأن الصلاة والحمد يحتاجان إلى العزم
والثبات. أراد داود أن يُرجع الفضل والسلطة إلى الرب، كما يرشد روح الرب المؤمنين
أن ينتبهوا إلى صوت باريهم.
أمر داود نفسه للمرة الثالثة أن تصمت،
وتستمر في حمد الله، حتى لا تتشوش أفكاره، وتعود إلى التركيز على المال والملك
والأخطار، وعزم على الاهتمام برب الأرباب، ضابط الكل و ديان العالمين. عندئذ ارشد
الروح القدس داود إلى شكر الرب على
كل حسناته في حياته.
فالإنسان، بطبيعته سرعان ما ينسى بركات الرب المعطاة له، واستجاباته لصلواته في
أيام ضيقته. كلنا فائزون في نسيان حسنات الرب!
أيها القارئ العزيز...
حتى لا تنسى حسنات
الله المتعددة لك، نقترح عليك أن تأخذ ورقة، وتدوّن عليها كل النعم التي أنعمها
عليك الرب، واشكره لأجلها . احمده لأجل الهواء النقي، والماء الصافي، لأجل الأمطار
والثلوج، القوت والكساء، لأجل الوالدين والمعلمين، المدارس وأماكن العمل والسكن،
لأجل الأمان والسلام في بلادك. اشكره لأجل حفظك من الكوارث الطبيعية، من عواصف
وزلازل وبراكين. أشكره لأجل حفظ بلادك من الجوع وويلات الحروب. ابحث في
ذاكرتك عن حسنات الرب التي منحك إياها، ولا تكن بخيلا في شكره. درب قلبك على الحمد
والشكر باستمرار، فتصبح إنسانا سعيدا، وتثبت فيك مسرة الرب.
إن أهم سبب للشكر أوضحه الروح القدس
لداود، كان غفران جميع خطاياه. يعيش الكثير من الناس في هذه الأيام كالجهلاء،
يُخفون ذنوبهم، ويتجولون عابسي الوجوه. لذلك أيها القارئ، حتى لا تقتفي أثرهم،
نقترح عليك أن تتوب، وتعترف بكل خطاياك للرب، وتصمم على عدم
ارتكاب خطايا فيما بعد، لتختبر ما كتبه الرسول يوحنا:
"إن قلنا إنه ليس لنا خطيئة نضل أنفسنا وليس الحق فينا. إن اعترفنا بخطايانا فهو
أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم"
(1يوحنا 1: 8- 9).
اختبر داود نعمة الله، إذ غفر له جميع خطاياه. لذلك أمر
نفسه أن يشكر الرب لفضله العظيم. اعترف النبي بأن
القدوس سامحه على كل
خطاياه، وغفرها له بالفعل. لا نجد هذه النعمة الشاملة في بقية الأديان الأخرى، كما
انه لا توجد عندنا كلمات" لعلّ
أو عسى "،
لأن الله لا يغفر البعض من الخطايا دون
الأخرى، إنما
مِن فرط محبته يُطهرنا تطهيراً كاملا وتبريرا شاملا، ويمنحنا نعمته مجانا. فمنذ أن
كفر المسيح بموته النيابي عن خطيئة العالم، نتيقن"أنه
بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين"
(عبرانيين10: 14).
أعلن الرب أن كل من حصل على غفران خطاياه يجب أن يغفر
لخصمه أيضا، كما غفر له الله. هل عندك عدو أو تعيش مع إنسان غير متفاهم معه؟ اغفر
له الآن غفرانا كاملا، وإلا تفقد غفران الله لك على خطاياك. اطلب من ربك القوة،
لتسامح خصمك على إساءته لك، كما سامحك الباري مسبقا. أرشد الروح القدس النبي داود إلى ادراك،
أنه بعد غفران خطاياه، أصبحت الصحة أهم هبة له من ربه، ينبغي أن يشكره عليها. فكم
مرة تُصاب بالزكام أو الرشح، بجروح طفيفة أو
مرض عضال، فشفاك الرب منه برحمته. إنّ
تحاليل الأطباء وجُرعات الدواء لا تساعد مئة بالمئة في منح الشفاء، بل القدير هو من له
الفضل. قد صَدَق الرب عندما قال:"
إني أنا الرب شافيك"
(خروج15: 26). كان ابن مريم يبرئ كل المرضى المقبلين إليه، وأخرج الأرواح النجسة من الملبوسين. أما الرب الشافي فيستخدم في أيامنا الأطباء والأدوية، غير
أن الشفاء الكامل والنهائي يأتي منه وحده. فأين شكرك له؟ لا تنس أن تشكر خالقك،
الذي أنعم عليك بصحتك والشفاء.
كان الملك داود رجلا تقيا، عرف أنه سيأتي
يوم سيلاقي فيه ربه، فاستعد لموته. أما الرب فأعلن له أنه سوف يفديه من حفرة القبر،
ليس لأنه كان صالحا، بل لأنه آمن ربه المبرر. وكل من يثق بالمسيح، فلا
يسيطر عليه الخوف من الموت، ولا
أعلن روح الرب للملك داود أن التيجان الذهبية المرصعة بالجواهر ليست الأثمن في
العالم، بل هناك تيجان من الله، التي تثبت إلى الأبد. فمن حصل على رحمة الرب
ويغدقها على المساكين والمرضى و الفقراء، ويسدّ حاجات المنبوذين والمحتقرين
والغرباء، ويساعدهم حقا، يمنحه الله إكليلا روحيا. فهل حصلت على تاج الرحمة والرأفة
من ربك الذي يوزعه على عبيده الرحماء؟ أو ما زال قلبك متصلبا كالصخر؟ أم انصهر
فؤادك فتتألم مع المتألمين، وتبكي مع الباكين؟ يعلمك المسيح الرحمة المستمرة،
ليس بين أقربائك وأصدقائك فحسب، بل أيضا بين الضالين والكفار، الذين ليس لهم رجاء
أو أمل في الحياة. التفت إليهم، ولا تقشعر من وجوههم الشاحبة البائسة، بل صلّ
لأجلهم، وفكر فيهم، حتى يرشدك الرب على خدمتهم بأمانة وإخلاص.
نجد قديسين بسطاء ومنكسري القلوب
يحملون تيجانا غير منظورة على رؤوسهم. السبب في ذلك أنهم تحننوا على المساكين، صلوا
لأجلهم، قدموا لهم يد المساعدة، وضحوا لأجلهم، امتثالا لما عمله ربهم الذي قال:"
ابن الإنسان لم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين"(متى20: 28). إن المسيح هو طريقنا وقدوتنا، الذي
يمنحنا القوة والشجاعة لخدمته باستمرار.
أيها القارئ العزيز: هل تسعى
وراء المال والجاه ؟ مما يجعل قلبك يتحجر، أم غيّرك روح المسيح؟ فأصبحت
رحيما و رؤوفا، وتحمل تاجا غير منظور على رأسك. ندعوك أن تحفظ المزمور 103 غيبا،
ولا تنس أن تدرب نفسك على الشكر، فتدرك في المسيح محبة الله المتجسدة، التي تصقلك
إلى رحمته.
نستعد أن نرسل لك إنجيل المسيح حسب
البشير متى مجانا، إن طلبته منا، فتجد فيه صلوات وتأملات مساعدة لك على الحمد
والشكر و التسبيح.
إن أعانك هذا المنشور على الشكر والرحمة،
فلا تبخل به على الآخرين، ليصبحوا مثلك خدام للرب. اكتب لنا حتى نرسل لك الكمية
المحدودة التي تقدر على توزيعها عملياً.
نحن
في انتظار رسالتك، ونصلي لأجلك، كما نطلب منك أن تذكرنا في صلواتك. لا تنس كتابة
عنوانك الكامل وبخط واضح.
الحياة الفضلى
ص ب 226- مزرعة يشوع - المتن
- لبنان
E-mail: family@hayatfudla.org
www.hayatfudla.org