ليَكونواً وَاحداً كما أننا نَحنُ وَاحدٌ أنا فيهم، وأنت فيّ، ليكونوا مكمّلين إلى واحد

( يوحنا 17، 22- 23)

 

نسمع في هذه الأيام عن اندماج بعض المصارف مع بعضها، واتحاد دُوّل مع بعضها، وتقارب الكنائس من بعضها، وحتى عند المسلمين حدث اتحاداً للدول الإسلامية، كما أنّ شبكة الإتصالات الألكترونية الدولية استطاعت بأن تحول العالم إلى قرية صغيرة. الدافع إلى هذه الموْجة الإتحادية هي الفكرة، أن الوحدة تمنح قوة وتوفير وفاعلية، ويَتمنّى المسؤولون أن هذا التوحيد البشري، يقدر أن يضبط زيادة النسل في البلدان.

 

يعيش على كرتنا الأرضية سنة 2005 بعد المسيح حوالي 6,4 مليار إنسان. ومنها

1,9 مليار       مسيحي بالإسم     (30%)

1،4 مليار       مسلم              (20%)

1,4 مليار       صيني               (20%)

1،3 مليار       ملحد              (20%)

1،1 مليار       هندي              (17%)

 

ومن بينهم:

 

860 مليون    هندوسي                      (13،5%)

450 مليون    بوذي                         (6،9%)

450 مليون    من أديان الشرق الأقصى        (6،9%)

230 مليون         وثني                            (3،6%)

20   مليون         اليهودي عالمياً                   (0،3%)

12   مليون     من المناجين للأرواح                 (0،2%)

 

 ونرى أن الفئة التي تنمو بأكثر سرعة هي المسلمون، الذين يتضاعفون في 27 سنة في سبيل زيادة النسل، بينما المسيحيون يتضاعفون في 54 سنة فقط بسبب قِلّة النسل.

 

أصبحت المسيحية من الأقليات في العالم فتجمع حوالي ثلث سكانه:

 

الأرثوذكس                   الأكثر من200 مليون       (3،1%)           

 الكاثوليك                    حوالي 1 المليار         (17%)

والبروتستانت في تنوعهم     640 مليون             (10%)

 

وُجد قبل 25 سنة بين البروتستانت 22" ألف سينودس مستقلّ" مع ما يشمل طقوسهم وأنظمتهم، وشرائعهم وعقائدهم، من يُدرك هذه الحقيقة المؤلمة، يفهم أنّ صلاة يسوع: "ليكونوا واحداً" تقودنا أولاً إلى التوبة. لنسأل أنفسنا، إن كانت كبرياء الأحبار، أو المحبة الناقصة بين الأديان، أو الإرشاد بالروح القدس المفقود، أو تأثيرات شيطانية تسبب الإنشقاقات بين الكنائس؟ إنقسامات اللغة في عالمنا مع 6528 لغة معروفة، تشترك في تنوّع الكنائس.

نظراً لهذه الحقائق يكون مفهوماً، أن زعماء الكنائس تقصد بالتقارب والتعاون الكنائسي أكثر فأكثر. كونت الحركة المسكونية، فالإجتماع العالمي للكنائس الأولى حدث في المجمع المسكوني في مدينة نيقا، في بلاد الأناضول، زمن الرومان سنة 325 بعد المسيح. حاول بعض الأحبار أن يعيدوا هذا المجمع العالمي سنة 1925 في ستوكهولم. أما البابا بِيُوس الحادي عشر منع في سنة 1928 جميع الكاثوليك أن يشتركوا في هذه المحاولات لتوحيد الكنائس، ووضّح أن رجوع جميع المسيحيين إلى روما، وطاعتهم للبابا، يكون الأساس الوحيد لتوحيد الكنائس. وحدثت إجتماعات كنسية عالمية بدون الكاثوليك 1927 في لوزان السويسرية، وفي 1937 في ادنبورغ في اسكتلندا، حتى أسست 1938 المؤسسة المسكونية، واشترك في المجمع 1948 في أمستردام في هولندا، الكنائس الأرثوذكسية كأعضاء لهم كل الحقوق. ولكن بعد ظهور ملامح من محاولات توحيد الأديان في المؤسسة المسكونية يبدأ السؤال:" ما هو معنى صلاة يسوع بالحقيقة؟" التي هي الأصل لكل محاولات التوحيد، ولنقبل منه، من الربّ الحي، التصحيح من صلاته الشفاعية.

 

الجزء الأول:

كيف يكون الثالوث الأقدس واحد؟

 

كان يسوع يطلب من أبيه توحيد كنيسته، ليس بمعنى تنظيم دنيوي كوحدة الكنائس، بل صلاته تهدف إلى الشراكة الروحية والوئام والمحبة، بمقدار كما أن الآب والابن والروح القدس هم واحد. فمن يريد أن يفهم موضوع وحدة الكنائس فليُدرك المبادىء في وحدة الثالوث، ليفهم قصد يسوع، وما يتوقعه منا ومن كنائسه.

 

كيف تظهر الوحدة بين الآب والإبن؟

"إنّ الله نور، وليس فيه ظلمة البتة" (يوحنا الأولى 1، 5). وقال يسوع:" أنا هو نور العالم. فمن يتبعني، فلا يمشي في ظلمة بل يكون له نور الحياة" ( يوحنا 8، 12). "الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 4، 24) أما المسيح فهو المولود من الروح القدس (متّى 1، 20 ؛ لوقا 1، 35) فقال:" المولود من الروح هو روح" ( يوحنا 3، 6). وأثبت بولس هذه الحقيقة بشهادته:" وأمّا الربّ فهو روح، وحيث روح الربّ، هناك حرية" (كورنثوس الثانية 3، 17). "الله محبة. ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" ( يوحنا الأولى 4، 16) وشهد الله الآب علانية:" هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت" (متّى 3، 17). وأعلن يسوع: "وصية جديدة أعطيكم، أن تحبوا بعضكم بعضاً، كما أنا أحببتكم" ( يوحنا 13، 34). ونقرأ في الكتاب المقدس:" كلامك هو حق" (صموئيل الثاني 7، 28 ؛ المزمور 119، 160) وقال يسوع:" أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب، إلا بي" (يوحنا 14، 6).

 أعلن يسوع:" كما أن الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطي الإبن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته" (يوحنا 5، 26). واستمر يسوع بإعلانه:" أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي، ولو مات، فسيحيا، وكل من كان حياً، وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟" ( يوحنا 11، 25- 26).

ينادي الكروبيم:" قدّوس قدّوس قدّوس، الربّ الإله القادر على كل شيء، الذي كان والكائن والذي يأتي" ( رؤيا يوحنا 4، 8). أما يسوع فشهد:" دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض" ( متّى 28، 18).

وأعلن يسوع:" أنا والآب واحد" ( يوحنا 10، 30) وفي صلاته الشفاعية قال لأبيه:    " إننا نحن واحد" (يوحنا 17، 22). الوحدة بين الآب والإبن تكون القالب الأزلي، والقدوة، والسبب لوحدة الكنائس.

 

كيف ظهرت وحدة الثالوث في حياة يسوع عملياً؟

 

كان يسوع مطيعاً حتى الموت، موت الصليب (فيليبي 2، 8)، وصلى في جسيماني: " يا أبتاه، إن لم يُمكن أن تعبر عني هذه الكأس، إلا أن أشربها، فلتكن مشيئتك" (متّى 26، 42) امتلأ يسوع تواضعاً، ودفع كل إكرام وشرف إلى أبيه قائلاً:"الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الإبن أن يفعل من نفسه شيئاً، إلا ما ينظر الآب يعمل، لأن مهما عمل ذاك، فهذا يعمله الإبن كذلك" (يوحنا 5، 19).

واستمرّ يسوع في إعلان ذاته قائلاً:" تعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" ( متّى 11، 29). يشجّعنا يوحنا البشير:" لنحبه، لأنه أحبنا أولاً" ( يوحنا الأولى 4، 19). نقرأ تفسيراً لهذه الآية:" لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3، 16).

 

المسيح هو محبة الله المتجسد

 

وثق يسوع بعناية أبيه، أنه يعطيه ولتلاميذه في كل يوم الخبز الكافي، بدون أن يأخذ أحد منهم راتباً أو أجرة أو وظيفة. كان يسوع منقاداً من الروح، الذي أرشده إلى البرية، ليجرب من الشيطان، ويغلبه ( متّى 4، 1). دعا يسوع تلاميذه، بعدما صلى الليل كاملاً. كان سامعاً، ما قاله أبوه إليه:" كما أسمع أدين" (يوحنا 5، 30)، وأوضح السِرّ العميق:"طوبى للذين يسمعون كلام الله، ويحفظونه" (لوقا 11، 28). شهد يسوع أمام قبر اليعازر المفتوح:" أيها الآب، أشكرك، لأنك سمعت لي. وأنا علمتُ، أنك في كل حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف، قلتُ، ليؤمنوا أنك أرسلتني" ( يوحنا 11، 41- 42). شكر يسوع أباه لاستجابة صلاته:" أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء، وأعلنتها للأطفال"    (متّى 11، 25). وأخذ يسوع الأرغفة، وشكر، ووزع على التلاميذ، والتلاميذ أعطوا المتكئين (يوحنا 6، 11).

إن إلهنا إله متواضع، ووديع، وممتلىء بالمحبة. عَلِم أن ابنه الحبيب، لا ولن يقوم بثورة عليه، فدفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. لن يحدث في السماء انقلاب، كما ظنّ محمد: لو وُجد إلهان فيغلب أحدهما الآخر. إلهنا محبة، فخضع يسوع لأبيه طوعاً. سِرّ وحدة الله، ليس شريعة ولا نظام، بل الكيان في الروح القدس، كما نقرأ عنه: " محبة الله، قد انسكبت في قلوبنا، بالروح القدس المعطى لنا" ( رومية 5، 5). وبهذه الحقيقة أي انسكاب الروح القدس في أتباع يسوع المسيح نجد تحقيق القصد الإلهي: " ليكونوا واحداً، كما أننا نحن واحد، أنا فيهم، وأنت فيّ، ليكونوا مكمّلين إلى واحد ...." ( يوحنا 17، 22- 23).

 

الجزء الثاني:

كيف يجذب الثالوث القدوس أتباع المسيح إلى وحدته؟

 

إنّ الله هو أبونا الروحي، ونحن أولاده بالتبنيّ والولادة الروحية. فأصبحنا أُسرته، ومن أهل بيته، بالنعمة. نخصّه وهو يخصّنا ( متّى 6، 9 ؛ أفسس 2، 19 ؛ يوحنا الأولى 3، 1- 3). يسوع المسيح هو ربنا، وملكنا. كنيسته هي جسده الروحي، وهو رأسه ( رومية 12، 5 ؛ أفسس 1، 22- 23 ؛ 3، 6؛ 4، 4، 15؛ كولوسي 1، 18).

يسكن الروح القدس في الكنيسة الحقة، وهي هيكله أي ( كورنثوس الأولى 3،  16- 17؛ 6، 19؛ أفسس 2، 21- 22).

تجذبنا وحدة الثالوث الأقدس كمغناطيس قوي، لندخل ونثبت فيها. وفَسّر يسوع هذا السِرّ بقوله: "ليكونوا واحداً، كما أننا نحن واحد، أنا فيهم، وأنت فيّ". كان يصلي قبل هذا الطلب:" ليكون الجميع واحداً، كما أنك، أيها الآب فيّ، وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا (يوحنا 17، 21- 23).

نتعلّم من هذه الآيات الذهبية، أن وحدة الكنائس ليست من إرادة الإنسان، بل من صلاة يسوع وإرادته. تتم هذه الوحدة بحلول الروح القدس في المؤمنين، فنفس الروح يسكن في جميع أتباع يسوع. هذه الوحدة موجودة تتحقق كل يوم من جديد.

 

كيف يحقق الله توحيده مع الخطاة؟

 

من يُريد أن يُدرك هذه العجيبة، يستطيع أن يميّز ثلاث درجات:

أولاً: تأتي التوبة بالروح القدس مع إدراك الخطايا، والإعتراف بها أمام الله. هذا الإعتراف يُسبّب إنكسار كبرياء الإنسان، الذي يعترف به ضمناً، أنه لا يقدر أن يخلص نفسه بنفسه.

ثانياً: يمهدّ الطريق إلى التوحيد مع الله قبول التائب لذبيحة المسيح الكفّاري، مؤمناً أن هذا النائب احتمل خطايانا، وغضب الله، والقصاص عوضاً عنّا. ومع هذا الإقتراب إلى نعمة الله يُسلم المؤمن حياته بين يديّ فاديه يسوع المسيح، الذي يُطهّر الإنسان بماضيه وحاضره ومستقبله، ويُبرّره تبريراً أبدياً بالإيمان، مع شكره لهذا الامتياز.

ثالثاً: من يؤمن بتطهيره بدم يسوع المسيح، ينل هبة الله: الروح القدس، الذي هو قوة الله الحالّة في المؤمن. ويُسمّي الكتاب المقدّس حلول الروح القدس في الإنسان تجديده أو الولادة الثانية، من ماء التوبة ومن قداسة الروح. يُنتج مِن هذين العنصرين الكيان الجديد للحياة الأبدية.

يؤكد لنا الإنجيل، خلاصنا من غضب الله، من موتنا المرير، ومن سلطان الشيطان، الذي لا يجد حقّ الإتّهام علينا فيما بعد، لأن قوة المسيح تحرّرنا من سلطة الخطيئة.

يظهر تقديس الإنسان كمصارعة الخاطىء المتبرر مع جسده وارتباطاته الدنيوية في قوة الروح القدس، فليس الإنسان صالحاً في ذاته بل الله يعتبره صالحاً لأجل ذبيحة المسيح الكفـّاري أما الروح القدس فينشىء في الناجي محبة إلهية وفرحاً دائماً وسلاماً متفوقاً وصيداً مستمراً ووداعة جريئة وإيماناً أميناً وعفة في ضبط النفس، يتعلم المولود ثانية أعمال المحبة وخدمة المكروهين والحمد لله وينكر نفسه ويصغر أكثر فأكثر لكي يظهر يسوع فيه وينمو في قدرته. فيقين رجائنا هو مبني على استيطان الروح القدس فينا وسمـّى بولس هذا السر : المسيح فيكم رجاء المجد. فالروح القدس هو عربون لمجدنا الموهوب لنا مجاناً أما الكمال المطلوب منا أن نكون كاملين كما أبانا في السماء هو كامل سوف يتحقق في عودة المسيح إلينا كهبة لنعمته إنما المجد المستتر في أولاد الله. تزداد نقاء فيهم بالآلام لتقوى محبتهم وصبرهم من أجل الغفران للذين أساؤوا إليهم. مع العلم أن دم يسوع المسيح وروحه القدوس هما كاملان الآن كما كانا منذ الأزل وإلى الأبد. فمجيء المسيح الثاني هو هدف كياننا.

ختبر المؤمن حضور وحدة الثالوث الأقدس في حياته بواسطة الإيمان والمحبة والرجاء. إنما توحيد الله مع الخاطىء المتبرر هو حقيقة روحية مبنية على الحق الأبدي. لا يعرف الكفـّار هذه الحقيقة المعطاة للمؤمنين إن الله يأتي إلينا ويسكن فينا وختم على امتياز نعمته في العهد الجديد بدم يسوع المسيح وكما يدخل جسده ودمه في الخبز والخمر في العشاء الرباني فينا هكذا يشاء أن يسكن الآب والإبن والروح القدس فينا إلى الأبد.

 

الجزء الثالث:

كيف يتحقق إسكان الله في المؤمنين ووحدتهم مع المسيح؟

 

الوحدة الروحية بين المؤمنين في المسيح غير مبنية على موافقتهم أو أمنياتهم بل يتوقف على صلاة المسيح وأمره إذ قال: ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكمـّلين إلى واحد ( يوحنا 17، 22- 23).

تهدف هذه الصلاة الشفاعية ليس على توحيد الكنائس كإتـّحاد منظـّم بل على وحدة روحية بواسطة حلول المسيح في المؤمنين وهذه الوحدة الموهوبة لنا هي حقيقة روحية لأن المسيح حل فيهم جميعاً. وكما أننا نأكل في العشاء الربـّاني الخبز الواحد فيسكن المسيح الكامل في جميع المؤمنين. نحن معاً جسده الروحي، هذه الحقيقة هي سر المولودين من روح الله فيسكن فيهم نفس الروح إن كانوا مولودين ثانية بالحقيقة. فوحدتهم حق لا ولا ولن تتجزأ إنما هذه الوحدة في الروح القدس تظهر في بعض الطقوس الخاصة.

ينطق كل أتباع المسيح الصلاة الربانية مع صلاتهم النموذجية ويعترفون بها أن الله العظيم هو أبوهم وهم أولاده ويهتم به حسب الجسد والنفس والروح بكل إخلاص وصرخة الروح القدس يا أبا الآب يؤكد لنا بنوتنا في أسرة أبينا السماوي ( رومية 8، 14- 16).

يعترف كل مسيحي مرتكز على صليب المسيح قانون الإيمان النيقاوي ويشهد به بألوهية المسيح وإنسانيته فمن ينكر ألوهية المسيح وإنسانيته فليس مسيحياً بل مضاداً للمسيح كما كتب الرسول يوحنا ( يوحنا الأولى 2، 22- 25) ولذلك لا يستطيع شهود يهوه أو السبتيون أو اليهود أو المسلمون أن يشتركوا في وحدة الله مع أولاده الروحانيين.

يقبل المولودون من الروح القدس الوصايا العشر كما فسرها يسوع ورسله ويتضمن شريط المسيح أكثر من ألف وصية ونصيحة التي نطقها في أقواله ويريد بها أن يقدّس أعمالنا ومقاصدنا وأمنياتنا. إنما شريعته لا تضغط كقانون مستحيل بل هو يمنح مع شريعته الجديدة تبريرنا من الزلاّت الغير المقصودة ويقوينا بالروح القدس كي نسلك في وصايا محبته.

 

ماذا تبني وحدة المؤمنين فيما بينهم؟

 

من يوافق على هذه الأعمدة الثلاثة لوحدة المسيحيين ينبغي أن لا يكون أنسانياً روحانياً مفكراً أن كنيسته هي الكنيسة الوحيدة المقدسة التي حصلت وحدها على الحق. وبالأحرى ينبغي أن تعترف بأخوة وأخوات في الكنائس المتنوعة ونقبلها كأخوة مخلصة ما دام ابن الله المصلوب والمقام من بين الأموات هو محور عقيدتهم. الإعتراف المتبادل والقبول الودّي مبنيان على درجات روحية في نضوج محبة المسيح فينا.

فكل من يدين الآخرين من دون محبة فلينظر أن لا يكون هو أيضاً مدان بنفس المكيال الذي آدان الأخرين بها فمن يحتقر المؤمنين الآخرين أو يعتبرهم أقل شأناً منه، فلا يزال غير منكسر من كبريائه الخبيث. من يعرف الله القدّوس يعترف مع أشعيا: ويل لي إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود ( أشعيا 6، 5). فكل متكبر لا يعرف الله بالحقيقة لا نكون شيئاً أمام القدّوس بل خطأة هالكين وكلنا نعيش من نعمته وليس لنا الشرف الخاص. والمنكسر لذاته هو متحرر للوحدة مع المسيحيين في المسيح. كل مسيحي حيّ في الروح القدس ويخدم بانقياده فالمسيح لم يأت ليـُخدم بل ليـَخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ( متى 20، 28). فمن يتبع المسيح لا يصبح رئيساً ولا عظيماً بل خادماً وعبداً لمحبته. كلنا مدعوون لنساعد المحتاجين ولنـأوي المطرودين ونضحي من أجل المساكين ونصلي للجميع ونتحرر لننشر كلمة الرب ونخدم حسب الحاجة. فالمسيح يفدينا من أنانيتنا الموروثة ومن الإرتباطات في عائلتنا وعشيرتنا لنرى الضالين ونحب المنبوذين ونقبل اللاجئين ونساعد الفاسدين ونزور المساجين ونهتم بالمرضى ونتبع الجياع ونقدّم لكل الذين لا يعرفون يسوع خلاصه.

وحّد شركة خدمة المسيح المسيحيين من كل الطوائف والعقائد إن كانوا مزمعين أن يخدموا ولا يتكلمون فقط عن الخدمة بل يضحون عملياً في سبيل المسيح. يحتاج الإعتراف المتبادل إلى الغفران المتبادل فمن يتعمق في تاريخ الكنيسة أو ينظر إلى حياة المؤمنين في كنائسهم يجد ألف سبب وسبب لينسحب من الشركة ويغضب لأجل الإهانات وينفصل نهائياً من المذنبين، أما المسيح فيبتسم ويأمرنا: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلـّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات ( متى 5، 44- 45). أما بالنسبة للإخوة بالإيمان فطلب المسيح منا أن نسامحهم 490 مرة يومياً ( 7 * 70).

وفوق ذلك يليق بنا أن لا نسامح المذنب إلينا متباهياً بل نطلب إليه أن يسامحنا هو أيضاً لأننا جميعنا ناقصون في المحبة والحق أمام الله والناس ونحتاج إلى الغفران لذواتنا يومياً من الله والناس. فلا تتم المصالحة بدون الإنحناء والتقارب لأجل السلام.

 

ماذا يمنع وحدة المؤمنين؟

 

ينبغي على المؤمن أن يقول الحق بالمحبة ولا يضحي بالحق في سبيل المحبة لأن المحبة بدون حق هي كذب وأما الحق بدون محبة تؤذي الآخرين. يجب علينا أن نتشجع لنشهد بالحق حتى وإذا كانت تعارض هذا الإعتراف تطورات كنسيـّة أو ظهورات معينة. لا نستطيع كإنجيليين أن نتخلى عن مواهب الإصلاح بل نتطلع إلى الأمام ونشهد بعصمة الكتاب المقدّس كمقياس وحدود وخط لاضطهاد الكنائس. لا يشكل تعليم الآباء الوحدة الكنائسية بل يسوع وكلمته فقط هي الأساس. فمن يعيش حسب كلمة الله ويؤمن بربنا المخلـّص هو أخونا وأختنا في المسيح. إنما وحتى في هذا الإطار نجد ممانعات لوحدة المؤمنين لأن هذه المبادىء غير منصوص عنها كتابياً.

لا نرى أن تأليه مريم والصلاة إليها والسجود لها والإبتهالات من أجلها يكون منسجماً ومبنياً على الكتاب المقدّس. لا نجد ذكر أم يسوع المسيح المحترمة بعد انسكاب الروح القدس في أخبار ورسائل الرسل ولا في رؤيا يوحنا حتى ولا مرة واحدة ورغم اختيارها كأم ابن الله ورغم آلامها لأجل موت ابنها لم تكمل مريم خلاص العالم بل يسوع وحده فمن يسجد لمريم المختارة من الله يجدّف ويقلل من مجد المسيح ونشكر الله لأجل مريم العذراء وأمرها الحكيم: مهما قال لكم فافعلوه (يوحنا 2، 5) وهي كانت متواضعة القلب وأرشدت الذين حولها إلى إبنها ليكملوا شريعته لا شريعتها أو أوامرها.

ونجد أن الإيمان بالأعمال الصالحة هي مانع أساسي لتوحيد المسيحيين فلا تخلصنا أعمالنا الخاصة لأنها ناقصة وملوثة بل بل موت يسوع النيابي كحمل الله، ولا بد من الأعمال الصالحة كثمار للروح القدس ونتيجة للخلاص ولكن لا وليس لنا لتبرير وشرف وحصة في إنشاء خلاصنا الذي يأتي مجاناً من يسوع نفسه كنعمة للغير المستحقين.    إنما الأعمال الصالحة الضرورية لظهور الإيمان الحق وهي برهان لصلاحية رجوعنا وعملية تبريرنا كما قال يسوع: من ثمارهم تعرفونهم ( متى 7، 16).

يمنع الاتصال بالقديسين الموتى جريان الروح القدس ولا نقرأ في أسفار العهد الجديد أن المسيح أمرنا أن نصلي إلى القديسين بل قال : تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أعينكم ( متّى 11، 28).

ينكر القديسون شرفهم وفخرهم وقدرتهم الموهوبة لهم ويدلـّون على يسوع وحده وحسب رؤيا يوحنا يرمون تيجانهم تحت قدمي الآب والإبن ويرفضون كل سجود وطلباتنا إليهم ليتوسطوا ويشفعوا لنا.

أمرنا يسوع أن نصلي مباشرة إلى أبينا السماوي وليس إلى رسله وأنبيائه وقديسيه وكل من يدعو القديسين أن يكونوا وسطاء لأجلنا يتعدى على شرف الآب والإبن. نؤمن بوحدة الثالوث القدّوس وحدها وليس أحد بجانبه. من يغفر خطايا التائبين المؤمنين؟ هل يحق هذا الإمتياز إلى الكاهن والأسقف والبابا؟

إن يسوع وهب مفاتيح السماء إلى جميع رسله فمن يحرروه باسمه فهو متحرر ومن يربطون باسمه فهو مربوط وساقط إلى جهنم إنما هذا السلطان لا يكون تحت تصرّف الإنسان وأمنيته وقراره الخاص لا أحد إلا الآب والإبن يغفر الخطايا بقوة الروح القدس. وكل من يقرأ كلمة الله ويتغير في ذهنه ويؤمن بكلمة ربه ينل غفران جميع خطاياه مجاناً لأجل إيمانه. هذا الحل يستطيع أن يتحقق بسبب عظة مبنية على الصليب أو كلمات معزية من كهنة وأساقفة إنما هذا الحدوث الروحي يتحقق تلقائياً في قراءة الكتاب المقدس أو من شهادة أتباع غير مرسومين حقاً. فليس للكهنة امتياز خاص لمغفرة الخطايا فكهنوت المؤمنين حق في نعمة المسيح.

هل للبابا المحترم في روما سلطان على جميع الأساقفة والكنائس؟ كان بطرس كليم الرسل ولكن ليس مديرهم أو رئيسهم هو كان الأول مع الرسل على مساواة.

ويمنع الباباوات المؤمنين من رعاياهم أن يشتركوا في العشاء الرباني للكنائس الأخرى ولا يسمح لهم بالإعتراف إلا ضمن كنيستهم ولا يسمحون لهم بالإجتماع في سبيل اضطهاد الكنائس إلا كمراقبين ويظن الباباوات أن كل الكنائس الأخرى أن ترجع إلى الأم الكنيسة الكاثوليكية لينالوا ملء البركة. ولا يقدرون أن يفكروا أن وحدة الكنائس تتم إلا تحت رئاسة البابا. فهذا غرور عميق لأن يسوع هو رأس الكنيسة وليس البابا. جسد المسيح الروحي يعيش حتى دون الباباوات وهيكل الروح القدس يتحقق في كل المؤمنين المتجددين وفي كل الجماعات المبنية على الكتاب المقدّس بقوة الله بدون عقائد معقدة وبدون تنظيمات بشرية دنيوية وتوجد عثرات كثيرة وممانعات متعددة لوحدة الكنائس إن كان هذا التعليم مختلفاً عن العشاء الرباني والقداس لأجل الأموات أو القوانين الكنسية المتعددة التي تربط أعضاء هذه الكنائس رغم أن هذه الوصايا مبنية على أفكار بشرية واضحة وحتى الطموح إلى السلطة والأبـّهة في بعض الأحبار الكنسية هي كانت كان وتكون مانعاً فاصلاً للوئام والوحدة الروحية.

أما العلـّة في الكنائس الإنجيلية هي ظاهرة لأنها تغلغلت إليها النقد العقلي لنصوص الكتاب المقدس والإيمان يقدره الذكاء البشري أن يحل المشاكل المتعددة وتدخلت المنظمات الماسونية إلى بعض الهيئات التنظيمية في الكنائس وأثرت في طقوسهم. وأظهروا أن الإنجيل بالأعمال وليس بالكلمة ودعوا إلى توحيد الأديان إلى كنيسة عالمية بدون إبن الله المصلوب وبعض الكنائس الخمسينية تظن أن روحانيتهم وعواطفهم تبني وحدة المتحمسين.

أما يسوع فصلى : أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيها الآب لأن هكذا صارت المسرّة أمامك، كل شيء قد دفع إلي من أبي وليس أحد يعرف الإبن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الإبن من أراد الإبن أن يعلن له ( متّى 11، 25- 27).

إن كنيسة المسيح مفعمة بالحياة وواحدة في الروح القدس إن كانوا من العرق الأبيض أو الأسود أو العرق الأصفر والأحمر فكل من يحب يسوع ونال من موته على الصليب غفران خطاياه يعيش في الروح القدس وأصبح عضواً عاملاً في جسده الروحي لمخلصه وفرح الرب هو قوتهم. وهم يعرفون بعضهم بعضاً بالروح الحالّ فيهم عندما يلتقون. ورباط محبة المسيح يوحدهم في يسوع وهذا التوحيد لا يحتاج إلى مؤسسة خاصة ولا إلى هيئة إدارية عليا وهذه الوحدة تحتاج إلى آذان مفتوحة لكلمة الله وقلب مفتوح لإنجيله عندئذ تتحقق وحدة الكنيسة دون برامج ودعايات. الرب نفسه يجمع رعيته ويقودها بدون ضجيج نحو هدف مواعيده هو الراعي الصالح لرعيته النائمة فهو ورعيته واحد فيحفظهم في محبته وحقّه (يوحنا10،14-16و27-30)