إنّي لَسْتُ أستحي بإنجيل المسيح

(رومية 1، 16- 17)

 

كان ليسوع رسل بارزون، وهم أبراج في تاريخ الكنيسة، وأوّلهم بطرس كليم االرسل، ومتّى البشير خادم كلمات يسوع، ويوحنّا البصير الصوفي الّذي منح المسيح الحيّ له رؤيا المستقبل، وأخيراً بولس رسول الأمم، المتجوّل في أنحاء العالم المعروف في ذلك الوقت. كان بولس يترعرع في طرسوس، على شاطىء الأناضول، في مدينة رومانّية، وحصل على الجنسيّة الرومانيّة منذ ولادته، إلى جانب جنسيته لشعب العهد القديم. وبعد تعليمه مِن العرق اليوناني والروماني، سافر إلى القدس، وتعلّم شريعة موسى على تفسير غمالئيل، وصار فقياً في الشريعة لوصايا الله.

كان شاول شاباً متعصّباً لشريعته. إنّما المسيح وقف في طريقه، ورأى بهاء مجده، وأدرك أنّه مخطىء ومجرم، ومتعدّ على ربّه بالذات. أمّا الرب فرحمه لأجل نيّة طموحه، وبرّره، وأرسله إلى الأمم، لينشر بينهم الخبر السارّ عن ابن الله المصلوب، والمقام مِن بين الأموات. ويظنّ أغلبية المؤمنين الّذين يقرأون رسائله في العهد الجديد، أنّ بولس لا يعرف الخوف، ولا يستحي بإنجيل المسيح. وهذا يكون خطأ، لأنّ بولس واجه اخطار وتجربة الموت، لأجل شهادته، بإبن الله الحي. وكانت هناك ثلاثة أسباب لخوفه واستحيائه، التي تغلّب عليها يومياً:

أولاً: كلّ يهودي يعترف بأنّ لله ابن، يجب أنْ يُرجم، وحتّى يسوع صُلب، لأنّ رئيس الكهنة قيافا استحلفه، أنْ يشهد مباشرة، أنّه المسيح ابن الله الحي أم لا، وعندما وافق المسيح على هذا السؤال المحرج، سلّموه للصلب. وأمّا بولس فرأى الربّ يسوع في مجده، وتيقن أنّ المسيح هو ابن الله الحي، واعترف بِهذه الحقيقة الجلّية في الشام، مقرّ إيمانه الأول، فأراد اليهود في الشام أن يقتلوه فوراً، فأنزله المؤمنون في سلّ مِن على السور، ليهرب ليلاً. فأينما وصل بولس، واعترف بحقيقة المسيح وألوهيته، أشرف على خطر الموت. وكان السؤال دائماً أمامه: هل اتكلّم عن المسيح بدون ذكر ألوهيته؟ أو اعترف بالحقّ، ونواجه الإضطهاد والخطر والتهديد بالموت؟ ولكنّ بولس تغلّب يومياً على هذه التجربة. لذلك كتب: "إنّي لست أستحي بإنجيل المسيح"، لأنّه تغلّب على خوفه باستمرار.

ثانياً: شهد بولس، أنّ بيلاطس الروماني اعترف جهراً، بأنّه لم يجد في يسوع علّة وقصده أن يُطلقه. لكنّ الضغط اليهودي أجبره، أنْ يصلبه على عكس اعترافه. فبولس وضّح أن صلب يسوع كان خطأً شرعيّاً، وأنّ بيلاطس خالف الحق الروماني وكسره، وأمر بصلبه مع العلم أنّه بريء. هذه الشهادة على لسان بولس كان تعدّياً على الحكم الروماني، ودليلاً على أنّ النظام الروماني كان على خطأ مبين! وزيادة على ذلك أثبت بولس، أنّ المسيح هو ابن الله، وأنّ الرومان قد صلبوا إلهاً، بصلبهم ليسوع. آمن الرومان بتعدّد الألهة، فأرادوا أنْ يُسكتوا هذا الصوت، فكان بولس في خطر الموت على أيّة بقعة رومانية وُجد عليها. فكان عليه أنْ يتغلّب على هذا الخوف، ويشهد للجميع بالصليب، رغم أنّه أصبح عند الرومان محلّلاً للقتل، ولكنّ بولس تغلّب يومياً على هذا الخطر، وقام وشهد بحقيقة الصلب، وسِرّ ألوهيّة يسوع.

ثالثاً: تقدّم بولس إلى أثينا في اليونان، مركز الفلاسفة والأذكياء، حيث يسكن أصحاب اللّغة اليونانيّة الطنّانة، والماهرين في البلاغة، وتمنّى رسول الأمم، أنْ يكسب عباقرة الفكر والفلسفة للإيمان بيسوع. وهم طلبوا منه، أن يجتمع معهم على جبل أريوباغس، ويخبرهم بما لديه. فألقى بولس وهو صاحب التربية اليونانية عظة عن يسوع المسيح، وأصغى الفلاسفة إلى أقواله، حتّى وصل إلى قيامة المسيح مِن بين الأموات. فضحكوا وسخروا منه وقالوا: مَن رأى ميتاً متجولاً؟ وسمّوه ثرثاراً متخيّلاً مِن سفالة المجتمع. انصدم بولس، لأنّه فكّر أنْ يربح بواسطة الفلاسفة كل الشعب اليوناني، وكان عليه أن يتعلّم الدرس المؤلم، أنّ الأذكياء والحكماء لن يروا ملكوت الله، بل البسطاء والصغار. وشهد لذلك بكلماته الشهيرة إلى أهل كورنثوس الأولى ( 1، 19 - 31 ).

صمت بولس بعد ذلك أياماً طويلة، لأنّ المجتمع استهزأ به، لأجل سخرية الفلاسفة منه. وكان عليه أن يتغلّب على الإستهزاء والخجل، ويستمرّ في شهادته، بأنّ المسيح قام، حقاً قام. ومِن هذه الغلبة على ذاته اعترف بعناد وتصميم بأنّي لست أستحي بإنجيل المسيح. نتعلّم مِن كفاح بولس بذاته، أنّ هناك ثلاثة أنواع مِن تجارب للمؤمن، يجب أن يتغلب عليها:

1-                 الخطر مِن المتعصبين دينياً وحيلهم واستعدادهم للقتل.

2-                 الخطر مِن السلطة المدنية التي لا تقبل أي ملك أو سلطان إلى جانب سلطتهم، أمّا يسوع فهو ملك الملوك وربّ الأرباب.

3-                 الخطر مِن المتعلمين الممسكين ببلاغة اللغة، الذي يكمن في استهزائهم مِن شهود المسيح البسطاء، وأخطائهم اللغويّة في بعض المرّات. وينبغي أن يتغلّبوا على هذا الإستهزاء، ويقبلوا الطريق المتواضعة، لابراز حقيقة المسيح.

 

لست أستحي” بالإنجيل”.

 

لم يكتب بولس أنّه لم يستحِ بالمسيح بل بإنجيله. كلمة "الإنجيل" في ذلك الوقت، لم تكن مسيحيّة، بل كلمة يونانية، مختصّة ببيت القيصر الروماني! فكلمة "الإنجيل" تعني في ذلك الوقت "الخبر السارّ مِن بيت القيصر"، أنّه وُلد له بِكر، أو انتصرت جيوشه على أعدائه. عندئذ أعلن القيصر إعلاناً رسميا،ً في كل أنحاء المملكة، أنّه وُلد له وَلد، وانتصرت جيوشه انتصاراً عظيماً. فهذا الخبر السارّ سُمّي قبل المسيح "إنجيلاً" أي Euangelion.

وأمّا يسوع ورسله، استخدموا هذه الكلمة، وملأوها بمعان جديدة، وأعلنوا أنْ صدر مِن الله خبراً سارّاً، ينبغي على الجميع، أن يفرحوا، إذ وُلد لله إبن، وأن هذا الإبن انتصر على كلّ أعداء الله، الموت، الخطيئة والشيطان. فلذلك ينبغي على الجميع، أن يهلّلوا ويهتفوا، ويوافقوا على هذا الخبر المفرح. فكلمة "إنجيل" تشمل اليوم، ألوهية المسيح وانتصاره على الصليب وخلاصه في قيامته. كما أنّ إعلان هذا الخبر عند الرومان لم يكن موضوع بحث كفلسفة، بل خبراً عن حقيقة تاريخية فلا يحتاج هذا الإنجيل المسيحي تفسيراً كثيراً، بل القبول، والحمد، والشكر لله على ما صار للمسيح.

لست أستحي “بإنجيل المسيح”.

 

الإنجيل المذكور في عظات العهد الجديد يكون مبنياً على لقب واحد وهو "المسيح". ويعني هذا اللقب: الممسوح مِن روح الله والممتلىء بصفاته، كما فسّر المسيح ذلك شخصياً في الناصرة عندما قال بوضوح: "روح الربّ عليّ، لأنّه مسحني، لأبشّر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأُرسل المنسحقين إلى الحرّية، وأكرز بسنة الربّ المقبولة" ( لوقا 4، 18- 19 وأشعياء 42، 7). تفّوه يسوع بهذه الكلمات، أنّه والربّ وروحه وحدة، لا تتجزأ. بعبارة قصيرة واضحة فسّر سرّ وحدة الثالوث الأقدس، وأوضح أنّه مُسح بالرّوح القدس، ونال مِن تلك المسحة كلّ سلطان ومحبة وقداسة الله، ليكون نائب الله في الدنيا، وصورة عن حقيقته. استمّر يسوع بتوضيح هذه الكلمة، بأنّ ارساله ومسحه تهدفان إلى تبشير المساكين فقط. أرسله الله الآب إلى الناس، ولكن ليس الكلّ يتجاوب مع بشارته. لذلك لم يتحقّق إنجيله إلا في المساكين! وأمّا الآخرون فامتلأوا بذواتهم، أمّا المساكين فقبلوا فرحين مسحة الرّوح القدس. فسّر يسوع مَن هم المساكين، وأوضح أنّ بمجيئه قد ابتدأ عصر جديد، هو عصر النعمة المفتوحة لكل مَن يتوب و يقبل المسيح ومسحته.

كان بولس يختبر حقيقة مسحة الرّوح القدس، وأمتلأ مِن روح المسيح. لذلك عُرف أنّ إنجيل المسيح هو الوسيلة، لينال الإنسان المؤمن بركة روح الله، ومسحة محبّة روحه، فالمسيحي الحقيقي يعترف بتواضع مع المسيح: "روح الربّ عليّ، لأنّه مسحني، لأبشّر المساكين، ... وأكرز بسنة الربّ المقبولة".

فاسمح لنا أنْ نسألك: هل حصلت على مسحة الرّوح القدس؟ هل يسكن المسيح في قلبك بواسطة إنجيله؟ وإلا تُب إليه، وتواضع، والتمس منه نعمة حلول روحه فيك، لأنّ لك الامتياز بقبول هذا الرّوح الطاهر، على أنّ المسيح غفر جميع خطاياك على الصليب! فيحقّ لك استلام الرّوح الإلهي القدّوس بالنّعمة. 

 

إنجيل المسيح هو “قوّة الله”.

 

لم يأتِ الإنجيل بقصّة عابرة، ولا بأسطورة، ولا بفلسفة، ولا بعقيدة ولا بفكر، بل يقدّم لك القوّة، قوّة الله، الحالّة في المسيح. ربّما لا تعرف أنّ كلمة "الله" ليست مجرّد كلمة أو إسم، بل جملة، وتعني "أل إيل هو". أل تعني التعريف، وإيل هو اسم الله الأصيل في اللغات الساميّة، ويعني قوّة وقدرة طاقة. و"هو" يعني خبر في الجملة الإسمية، و أنّ القوي هو واحد. فبايجاز يعني هذا التوضيح، أنّ الله هو القوّة الأصليّة الخالقة الحافظة المخلّصة الدانية والمجدّدة. فالله ليس فكراً، ولا عقيدة لاهوتية، بل قوّة، ومَن يؤمن بالله الحقيقي، ينل منه قوّة. تغلب هذه القوة على الخطايا فينا، وعلى الموت، وعلى تجارب الشيطان. وبما أنّ بولس يكتب،"أنّ إنجيل المسيح هو قوّة الله" فيعترف بهذه الكلمات، أنّ الله دفع إلى المسيح كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض، لأجل تواضعه، وخلاصه على الصليب، وظفره في قيامته. فالمسيح هو قوّة الله المتجسّد. لذلك أقام الأموات، وشفى المرضى، وأسكت العاصفة، وأشبع الآلاف مِن خمسة أرغفة وسمكتين. ليتنا ندرك أنّ الله بذاته قوّة، وأنّ المسيح ممتلىء بالقوّة، وأنّ يسوع قبل صعوده إلى أبيه السماوي، وَعَد تلاميذه: ستنالون قوّة متّى حلّ عليكم الرّوح القدس وتكونون لي شهوداً (أعمال الرسل 1، 8) فالمسيح أوضح لتلاميذه، أنّ قوّة الله وقوّته تحلان كقوّة واحدة فيهم، إن ثبتوا في الإيمان بالمُقام مِن بين الأموات. لذلك لا تكون المسيحية فلسفة أو مجرّد دين.،بل قوّة موهوبة مِن الآب والإبن بواسطة الرّوح القدس.

أنشأ المهندسون في أول الأمر الكهرباء على خط واحد، قوته 110 فولت. بعدئذ على خطين 220 فولت. ثم على ثلاثة خطوط 330 فولت، للماكينات الثقيلة. وشبيهاً بهذا الأمر بالمعنى الروحي، ينال كل مسيحي حق، كلّ القوة مَن ثلاثة مصادر: الآب والإبن والروح القدس. فلماذا تظهر المسيحية بعض المرّات ضعيفة، ما دام الإنجيل قوة الله؟ هذا التأمل يرمي بنا إلى التوبة، نحن المؤمنين، إذ نتّكل على قوتنا الخاصة، أكثر مِن قوّة الله المثلثة الواحدة. يخبرنا الكتاب المقدّس أنّ الأتقياء في العهد القديم أدركوا سرّ القوة في الله، فسمّوا أولادهم بأسماء مرتبطة بالله، مثل إسماعيل، الذي يعني "إيل يسمع" أي الله يسمع، أو إيليا وتعني "إيل لي" أي الله قوّتي، أو "بيت إيل" أي بيت القوّة، أو الملاك جبرائيل أي جبروت الله، أو ميخائيل وتعني "مَن كالله؟" فكلّ هذه الكلمات تعني أنّ الناس أرادوا أن يرتبطوا بالقوّة الأصليّة "إيل" أي الله. فهل أنت مرتبط بالله "القوة" أو أنت منعزل ومتجوّل بحياة ضعيفة نحو الموت؟ ارتبط بالله قوّتك، وآمن بالربّ طاقتك إلى الأبد.

 

قوّة الله “للخلاص”

 

نشكر الله، لأنّ قوّته لم تأتِ إلينا للدينونة، أو الهلاك، بل للخلاص. فكلمة "الخلاص" كلمة ضخمة وكبيرة، وتحمل معاني مختلفة. نوضح إثنين منها في هذا البحث المتواضع:

أولاً: قوّة الله للخلاص مِن القوى المضادة لله. فالآب السماوي يريد، أن يحرّرك مِن العناد والكبرياء، والخوف واليأس، والإثم والذنب، والتجارب الشيطانية، وحتّى مِن شبح الموت، ومِن غضبه الخاص في الدينونة الاخيرة.

قوّة الله تحرّرك مِن كلّ المخاوف، التي تهاجمك مِن الخارج، أو تطفو مِن داخلك. فالخلاص معناه النجاة والإنقاذ والتحرير والشفاء والعون ورحمة الله على الخطأة المائتين. فالمسيح لم يأتِ كديّان، بل مخلصاً للعالم، ليحرّر العبيد مِن الخطيئة، ومِن الموت.

هل خلّصتك أو لا تزال مقيّداً بكلّ هذه السلبيات؟ وتعيش ضالاً متشائماً منتظراً دينونة الله العادلة على كل فجورك وزلاتك؟ المخلّص حاضر، ويأتي إليك ليحرّرك، إنْ فتحت نفسك له. اتّجه إلى إنجيل المسيح، لأنّه قوّة الله للخلاص مِن كلّ السلبيات في حياتك.

ثانياً: الخلاص في الكتاب المقدّس لا يعني فقط التحرير مِن الذنوب والأخطار، بل التحرير إلى حرّية أولاد الله، إلى الإنتصار على الخطيئة، إلى الفرح بحضور المخلّص، وبسلام الله الذي يحلّ في قلبك.

لم يأتِ المسيح ليغفر خطاياك فحسب، بل يريد أنّ يحلّ فيك روحه القدّوس، لتحيا إلى الأبد. الغفران هو مرحلة في الخلاص، انما هدفه الشركة مع الآب والإبن في الروح القدس، في الحياة الفُضلى، في حياة مبنيّة على قوة روح الله، لينشىء فيك ثماره وصفاته، وبكلمة أخرى: "محبّة الله قد انسكبت في قلوبنا بواسطة الرّوح القدس المعطى لنا" (رومية 5، 5).

الخلاص يعطيك رجاء، فلا تخاف مِن الموت، ولا مِن دينونة الله، لأنّ المخلّص يحلّ في قلبك، بواسطة روح محبّته. إقرأ في الإنجيل فتجد ألف صِفة ودرجة للخلاص، الذي يهبه الله لك مجّاناً، بنعمته، إنْ فتحت قلبك لمخلّصك، وفاديك ومنجّيك.

أَدركْ أنّ الخلاص تمّ. لا حاجة أن يموت المسيح مرّة أخرى لأجل أعدائك. لقد تمّ الخلاص، وكلّ شيء مُعدّ، أمّا الناس الأغبياء لا يدركون ولا يعرفون ولا يأخذون حقوقهم المؤسسة لهم. يشمل الخلاص كلّ الناس: السود والبيض والحمر والسمر والصفر. قد خلّص المسيح الجميع، لكنّهم لا يعرفون، ولا يقبلون، بل يرفضون، ويلعنون. أمّا الخلاص فقد تمّ! وقوّة الله حاضرة، لتتسربل إلى كلّ الذين يتجهون نحو المسيح.

 

لكلّ مَن "يؤمن"

 

كيف يتحقّق الخلاص فينا عملياً؟ بعدما أدركنا أنّ الخلاص تمّ، وحضر، يقول بولس الرسول بكلمات بسيطة، أنّ الخلاص بالإيمان لا بالأعمال. فليس عليك أن تصوم وتحج، وتصلّي وتجاهد، وتعمل أي شيء لتربح الخلاص، بل أن تؤمن فقط، أنّ الخلاص يكون معدّ لك. لذلك يعني الإيمان القبول بواسطة الإنفتاح والإستسلام والإختبار.

ربّما يتيح لنا أن نشبّه الإيمان بقصة الحبّ الطاهر. فإن وصل شاب إلى سنّ الرشد، ويريد أن يتزوج، فيفتّش عن فتاة محترمة، ويسأل ويراقب، ويتيقّن مِن فتاة واحدة، ويقترب منها، ويتساءل، فينشىء الثقة المتبادلة والتفاهم. وتبتدىء المحبّة المحترمة. ويظهر ذلك على وجوههم، ويعرّفون بالخطوبة مقصدهم، ويستعدّون لحفلة العرس، ويعترفون جلياً أمام الله والناس، أنّهم سيرتبطون بعهد الزواج. بعدئذ تبتدىء الحياة المشتركة، مع إنجاب الأولاد وتربيتهم، والتعب مِن أجل تأمين خبز الحياة، والتسامح المتبادل بين الزوجين، واحتمال بعضهم بعضا،ً والتعاون والتغلّب على مشاكل الحياة، ولا سمح الله، في حال مرض أحدهما، يتحمّل الآخر، ويعبر حتى المنتهى، فتنمو الثقة بين الزوجين أثناء سيرهما معاً، حتّى تكون المحبّة الاخيرة أعمق وأقوى مِن الحبّ الأول.

هكذا بالمعنى الروحي، يليق بالإنسان، أن يفتّش عن الله، ويسأل عن الأديان، ويختار المذهب الأفضل، ويقترب مِن المسيح، ويقرأ رسائله، ويثق بما يقوله، ويغلب الشكوك، ويفهم أخيراً أنّ الله مِن جهته يريد أن يرتبط به. فيثق به، حتّى يصبح "مخطوباً لله"، ويسعى لتكون حياته مرضيّة له، ويعترف بخطاياه، حتّى لا تكون فاصلاً بينه وبين القدّوس. وإنْ لم يتعمّد مسبقاً فيطلب العماد، ويعترف بإيمانه بالمسيح جهراً، فيتّحد به في عهد أبدي! عندئذ تبدأ الحياة المشتركة، والطاعة الروحية، والخضوع حسب الإيمان، وانكار الذات، والمحبة للمسيح، والشهادة بخلاصه، حتّى الآخرون ينالون أيضاً الحياة الأبدية مِن الإنجيل. إذا نخطىء فالمسيح يسامحنا، ويحتملنا، ويرافقنا ويؤدّبنا، ولا يتركنا، بل يستخدم كلّ وسائله، ليرشدنا إلى نِهاية خلاصه: الشركة مع الآب والإبن والرّوح القدس. فللإيمان والثقة درجات ونمو. ليس الإيمان مرّة واحدة وانتهى، بل يطلب المسيح منّا الإستمرارية في الإيمان، لنثق فيه بعزم وثبات، في كلّ أحوال حياتنا. عندئذ نختبر أنّ قوّته تكمل في ضعفنا،ونختبر أنّ قوّة الله تجري منّا إلى الآخرين، وتتضاعف، وتصبح سلسلة إنارة، للّذين يؤمنون به. لقد تمّ الخلاص نهائيّاً، وأمّا المؤمن فينال غنى الخلاص الروحي بإيمانه، ويشترك فيه.

ومثال على ذلك، إنْ أعطى غنيٌ لفقير ما، شيكاً بقيمة كبيرة، كهبة، ويمهره بإمضائه،  فهذا لا تكفي، إن لم يذهب الفقير المسكين إلى المصرف، ويقدّم الشيك، ويضع إمضاءه ايضاً، عندها ينال المبلغ. فأكثريّة الناس تهمل هبة الخلاص المعدّة مِن الله، ولا يعرفونه او لا يثقون به. هكذا فالكثير مِن الناس يضعون الإنجيل في الخزانة، ويطمئنون، ولكن لا يقرأونه ويتفهمونه، فيهملون الخلاص المعدّ لهم.

ويقول البعض: أنا لا أفهم كيف أؤمن؟ لا أقدر أن أثق فيما لا أراه! فنجاوبه: الكهرباء لا أحد يستطيع أن يراها، ولكن باستخدام المفتاح يؤمنون، أنّ النّور يضيء، وأنّ وسيلة التدفئة تعطي حرارتها، والمحرّك يدور. فالإيمان بالكهرباء الغير المكشوف أصبح عادياً. إن كان أحد لا يزال يُنكرحقيقة وجود الكهرباء، فليأخذ مسماراّ ويضعه في الزرّ المكشوف، فيشعر بقوّة الكهرباء، التي تُرجف يده. فضع إيمانك في المسيح، وتختبر قوّة خلاصه للنجاة بحياتك، لا للموت كهربائياً.

 

أولاً "لليهود"

 

كان إبراهيم الساكن في بلاد ما بين النهرين، الرجل الذي سمع وحي الله: إذهب مِن أرضك، ومِن عشيرتك، ومِن بيت أبيك إلى الأرض، التي أُريك، فأجعلك أمّة عظيمة. وأباركك، وأعظّم اسمك، وتكون بركة. وأبارك مباركيك، ولاعنيك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض ( سفر التكوين 12، 1- 3).

قام إبراهيم وجميع أهل بيته، وترك حماية عشيرته، وانسلخ مِن تجارب شعبه، وأصبح رحّالة متجّولاً بدون حقوق في هذه الدنيا. وأمر الربّ له، في سيره نحو الوطن الأبد: أنا الله القدير، سِرْ أمامي وكُن كاملاً (سفر التكوين 17، 1). وآمن إبراهيم بوحي الله، وسلّم نفسه له حتّى يقول القرآن، أنّ إبراهيم هو المسلم الأول (سورة آل عمران 7، 67). وامتحن الله إبراهيم، فسمع إبراهيم في الحلم، بأن يقدّم إبنه، ووضعه على المذبح ليقدّمه ذبيحة لله. وأمّا الربّ القدير، فأرسل له ملاكاً أوقفه، وقال له حسب القرآن: لقد فديناه بذبح عظيم (سورة السفات 37، 107).

عنئذ أقسم الله بنفسه وقال: "إنّي مِن أجل أنّك فعلت هذا الأمر، ولم تُمسك ابنك وحيدك، أباركك مباركة، وأُكثّر نسلك تكثيراً، كنجوم السماء، وكالرمل الذي على شاطىء البحر   (سفر التكوين 22، 16- 17).

آمن إبراهيم بكلمات ربّه، وأطاع أوامره، فلهذا السبب يكون إبراهيم قدوة جميع المؤمنين، ورمزاً للمسلمين. النسل الموعود له، ليس نسلاً حسب الجسد فحسب، بل النسل الروحي أي المؤمنون بكلمة ربّه، والذين يطيعون أوامره بفرح. لذلك يسميّه الرسول بولس: أباً لأمّم كثيرة ( رومية 4، 17).

وأمّا حفيده يعقوب كان ذكياً وعقبة، وهرب إلى الغربة. أما الله فلاحقه، وأعلن له، أنّه يباركه، إن آمن به وأطاع شريعته، ولكن يعقوب بقي عقبة وعنيداً، ولكن بعد رجوعه إلى وطنه، فاعترض ملاك الرب طريقه، وحاول يعقوب أن يتصارع معه، إنّما لم يستطع. فصلّى قبل انهياره:"لا أطلقك إن لم تباركني" (التكوين 32، 26). فبإيمانه غلب دينونة الله، حتّى قال الملاك: لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب، بل إسرائيل ( التكوين 32، 28). لم يكن يعقوب كاملاً في سيرته، ولكنْ بالإيمان برحمة الله غلب الديّان، ونال الخلاص بالإيمان مجاناً بدون استحقاق.

وأمّا موسى الّذي قتل مضايق أمتّه، وهرب إلى البرّية، وعاش هناك، حتّى سنّ الثمانين. فظهر له الربّ في العلّيقة المُلتهبة، وأرسله إلى فرعون، ليطلب منه إطلاق شعبه. أمّا فرعون فاستهزأ به، ورغم قصاصات الرب لفرعون، لم يطلق فرعون عبيده، عندئذ أمر الرب أولاد يعقوب، أنْ تذبح كلّ عائلة حملاً، وترشّ دمه على عتبة الباب، ليمرّ ملاك الدينونة عنهم، فليس أولاد يعقوب أفضل مِن المصريين، وهم مستحقون القصاص مثلهم. ولكنّ دم الحمل حماهم، وإيمانهم بهذا الدّم خلّصهم، فهربوا بعدئذ نحو صحراء سيناء، حيث اعترضهم خليج على البحر الأحمر، فسمعوا جلبة عساكر الفرعون وراءهم، والبحر أمامهم، فصرخوا إلى الرب: نجّنا فوراً وإلا هلكنا. فأمر الرب لموسى، أنْ يرفع عصاه فوق البحر، وعندها أجرى الرب البحر بريح شرقيّة شديدة، كلّ الليل، وجعل البحر يابسة، وانشقّ الماء، فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة، والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم (سفر الخروج 14، 21- 22).

أنقذت رحمة الله بواسطة إيمان موسى الشعب الضال. فالإيمان هو الذي يجلب الخلاص إلى الأمّة. ولا بدّ مِن الإيمان القوي، لتتحقق رحمة الله وخلاصه فينا وفي أمتنا. ومَن يريد أنْ يعرف هذا السرّ أكثر فأكثر، أنّ الخلاص يتحقّق بالإيمان، فليقرأ أسفار العهد القديم، ويتعجّب مِن الله، الّذي خلّص المتمردين والعصاة، بواسطة إيمانِهم، وضربِهم مراراً، إن لم يسيروا كاملين في المحبّة والرجاء. إنّما الإيمان القوي هو همزة الوصل بين الله والبشر

ويحقّق الخلاص في المذنبين.

 لأجل سلسلة الإيمان في شعب العهد القديم قال بولس، إنّما الخلاص يتحقق أولاً في اليهود، ليس لأنهم أفضل مِن البشر الآخرين، ولكن لأنهم تجرّأوا وتمسّكوا برحمة الله، وبرأفته، فنجحوا بإيمانِهم.

ثم "لليوناني".

 

ويا للعجب، أتى المسيح إلى شعبه المثالي بالإيمان، فرفضوه، وسلّموه إلى الصلب على يد الرومان، والأكثريّة منهم انغلق على حلول الرّوح القدس، فالربّ شتّتهم، وباعهم إلى عبودية الشعوب، في كلّ انحاء العالم.

والحمد لله، هناك نفر قليل مِن أولاد إبراهيم، آمنوا بالربّ يسوع، وأصبحوا رسله، وخاصة بولس الرسول، الذي تقدّم إلى اليونانيين والرومان والأتراك، وبشرّهم عن كفّارة المسيح، وحلول الرّوح القدس، وأعلن لهم، أنّ كلّ مَن يؤمن بالربّ يسوع، المقام مِن بين الأموات، الحي والآتي ثانية، و مَن يؤمن به يخلص، ويتغيّر ويتقدّس، ويختبر مِن نعمة الله مجانا.ً فبعدما رفض اليهود المخلّص بعناد وقساوة القلوب، فتح الله الباب لجميع الشعوب! نرى في تاريخ الكنيسة، أنّ الإنجيل تقدّم إلى أوروبا، وبعدئذ إلى آسيا، وأفريقيا، وأخيراً إلى أميركا والجزر. فثلث سكان العالم اليوم اعتنقوا الإيمان بالمسيح، وعدد كبير منهم تجدّدوا مِن الرّوح القدس. فتحقّقت شهادة بولس حرفياً: لليهود أولاً ثم لليوناني.

فاسمح لنسألك: هل قبلت حقاً الخلاص، الذي أسّسه يسوع لأجلك؟ وهل أدركت عُمق خطاياك، وأنّك هالك حسب طبيعتك؟ وهل تُبت مِن فسادك، نحو محبّة الله المتجسّد في المسيح، وأدركت أنّه يحبّك، وحمل خطاياك، وصالحك مع الله؟ وهل اشتركت في بركة الله، مِن ذبيحة المسيح على الصليب، ونلت قوّة الرّوح القدس، مِن إرث موت يسوع المسيح لك؟ عندك امتيازات سماويّة، وبركات أبديّة. فلا تغفل ما منحه الرب لك، بل خُذ وآمن، تمسّك واشكر، لأنّ الربّ آمين، ويريد أن يخلّصك، إنّ آمنت به وبإبنه وبروحه القدّوس.

 

لأنّ فيه معلن "بِرّ الله".

 

ما كان بولس فيلسوفاً، بل معلناً حقيقة الله، وخطّة خلاصه، اللتين لا تُدركان بالعقل تلقائياً، فكتب أنّ سرّ الإنجيل، ليس في خلاص الإنسان أولاً، بل في "برّ الله الأزلي" وبكلمات أخرى "كيف يبقى الله باراً، إذا كان يبرّر المجرمين؟" الشيطان هو عدّو الله، ويريد أنْ يغلب القدّوس، فيشتكي عليه، اذ برّر الخطاة، المستحقين العقاب، وكأنّه  يقول لله، بأنّك خالفت العدل، وبرّرت مَن يستحق الهلاك، فالحقّ عليك، وأنت المُدان! فبولس يجيب عن هذه التهمة، بأنّ الإنجيل يعلن برّ الله أولاً، ليس برّنا الخاصّ. فالفت نظرك مِن نفسك وخلاصك، وانظر إلى الله، كيف يتبرّر القدوس مِن تُهمة الشرّير.

فالجواب على هذا السؤال الخطير، هو المسيح، حمل الله، الذي يرفع خطيئة العالم، ومات عوضاً عنهم. فلا غفران إلا بسفك الدماء. لم يمُت الله الاثمة، بل إبنه الوحيد عوضاً عنهم! فدم المسيح يُسقط شكوى الشيطان، لأنّ الله في إبنه حمل الخطايا، والقصاص، عوضاً عن المجرمين الخطاة. فلذلك تمّت مطالب الشريعة، وتبرّر الخطاة، وثبت الله باراً في محبّته!

فنجد مِن وراء خلاص الإنسان صراعاً عنيفا، بين إبليس والقدّوس. الحل لهذا النزاع هو المصلوب المحبّ، لأنّ فيه يتبرّر الله والإنسان، وتكتمل عدالة الله وبرّه حقاً. فليس الموضوع خلاص الإنسان فحسب، بل قداسة الله، وبِرّه وعدله، التي لا تتزعزع بل تثبت إلى الأبد.

 

"بإيمان، لايمان"

 

يوضّح لنا رسول الأمم، أنّ سرّ الخلاص، وأقوال الإنجيل، وبِرّ الله، تتطلّب إيماناً باستمرار. لا يخلص الإنسان بفعلية الإيمان مرّة واحدة، بل يحرّضه القدّوس مِن إيمان لإيمان، كأنّه يعيش في سلسلة حلقات الإيمان، فحياة المسيحي مبني على الإيمان المستمّر.

يرشدك الرّوح القدس مِن الإيمان بخلاصك، إلى مرحلة الإيمان بنقل الإنجيل إلى الضالين. فتصلّي وتؤمن وتبتهل لأجل الضّالين، والأموات في الخطايا. فالتبشير لا يعني التكلّم والشهادة فحسب، بل مصارعة إيمانيّة مع الله: "لا أطلقك إن لم تخلّصهم". يقودك المسيح إلى إنشاء أسرة خاصة، ويمنحك الأولاد، فالحياة العائلية والهموم في تربية الأولاد تتطلب إيماناً كثيراً. الشيطان يريد أنْ يفرّق الزوجين، لأسباب مختلفة، ولكن حيث يكون المسيح الثالث في العهد بين الزوجين، تثبت الأسرة، ولا تتفكك. فيعلّمنا المسيح الغفران المتبادل، والإحتمال بصبر ومحبّة، ويربّيك بالإيمان مِن أجل أولادك.

إن فكرتُ بأنّك تخلّصت بعون الرب على خطاياط الصعبة، فتَرى نفس الخطايا تظهر في أولادك، في عنادهم، وأنانيتهم، وانفصالهم عن الأسرة. هذه التطورات تتطلب أولاً إيماناً منك، حتّى لا تحاول أن تصلح مشاكل أسرتك مِن تلقاء نفسك، بل تطلب مِن الرب الحي، أن يتدخل، ويقود الأفراد إلى تغيير الذهن، ويحلّ فيهم روح اللطف والمحبة والطهارة. إنّ الحياة العائلية مدرسة للإيمان، وبالإيمان يخلصون.

وإنْ نظرت لمشاكل أمّتك، وعلى الأرواح النجسة في الإذاعات والتلفزيونات، والتجارب المتربّصة في كل أنحاء العالم، وترفع قلبك نحو الربّ، وتصرخ:"عِنْ يا قدير! عِنْ، لأنْ لا خلاص إلا مِن عندك، وإلا كلّنا نسرع نحو الهلاك".

وربّما تيأس مِن نفسك، وترى أن تطفو الأفكار النجسة، وأحلام التجربة، والحقد على المذنبين إليك، مِن صميم قلبك، فتحتاج إلى قوّة غالبة على هذه التجارب، ولا بُدّ مِن الإيمان، بأن يسوع يُنجّيك، أنت المؤمن، لتثبت في المحبة، وتستمر في الشهادة، ولا تترك جماعة المؤمنين، بل تسامحهم سبع مرات سبعين مرّة، كل يوم! لا يستطيع الإنسان أنْ يخلّص نفسه بنفسه، ولا أنْ يهذّب ذاته بتربية عُليا، بل يحتاج إلى المخلّص، إلى الربّ، إلى المعين، إلى الحي، ويستمدّ منه قوّة فوق قوّة بالإيمان. لذلك يؤكّد لك بولس أنّ حياتك المسيحية تسير مستقيمة بإيمان لإيمان، أو بكلمات أخرى مِن إيمان لايمان، لأنْ بالإيمان وحده تخلص.

 

أمّا البارّ فبالإيمان يحيا.

 

لخّص بولس أقواله وأفكار شهادته بكلمة الوحي، المعطاة للنبي حبقوق:"أمّا البارّ فبالإيمان يحيا"(حبقوق 2، 4). امتحن نفسك مرّة أخرى. هل أنت بارّ؟ إنْ كنت مستقيماً تعترف مع اللص التائب في الهيكل: "اللهّم ارحمني أنا الخاطىء" ( لوقا 18، 13). فكلّ مَن يقول أنّه بارّ مِن تلقاء نفسه يتخيّل، أو يكذب، ولكن مَن يعترف بأن لا برّ فيه، ينال البرّ مجاناً مِن الله، بواسطة إيمانه بكفّارة المسيح. فليس مِن أحد بارّ في هذه الدنيا، ولكن كثيرون تبرّروا بالتبرير الإلهي مجاناً، ونالوا بِرّ الله كهبة لهم. ليتَ تيقّنت أنّ الله يحبّك، وبرّرك لأجل دم المسيح، فصِرت باراً بنعمته، ويحلّ الرّوح القدس فيك، لتسلك في بِرّ الله ولا يتمّ هذا بقدرتك الخاصّة، بل بقوّة الإنجيل العاملة فيك. هل حلّ الروح القدس في ذهنك وفي قلبك؟ وهل حصلت على حياة الله؟ أو لا تزال ميتاً روحياً بالخطايا والعناد. البارّ يتغيّرّ ويقوم مِن الموت في الخطايا، ويحيا في حياة الله. قد دخل إلى الحياة الفُضلى الحياة الأبدية، ولا يستطيع الموت أنْ يقبض عليه، ويميته حقاّ، لأنّ المسيح يؤكّد للمؤمن به: "أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي، ولو مات فسيحيا. وكل مَن كان حيّاً، وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بِهذا؟ ( يوحنا 11، 25- 26).

هذه الآية: "أمّا البار فبالإيمان يحيا" كان السبب في انفتاح ذهن المصلح مارتن لوثر، فكان لمدة ثمانية عشر عاماً يكافح مِن أجل الحصول على البِرّ مِن الله، بصلاة وصوم، وتقشف وإهانة النفس، وبألف طريقة، ولم يحصل على نتيجة، إلا أنه أكتشف أنّ البِرّ ليس مِن الإنسان، بل يحسب له مجاناً بالإيمان. فتمسّك بهذه الآية، وعاش معناها، وأصبح باراً بالإيمان، واستمرّ في بِرّ الله، وأعلن أن لا خلاص إلا بيسوع المسيح، الذي صالحنا مع الله، بكفّارته، ليُحلّ حياة الله فينا، بواسطة الرّوح القدس.

أيّها القارىء العزيز: نقترح عليك، أن تحفظ هذه الآيات غيبا،ً وتتأمل فيها، لتتحقّق معاني شهادة رسول الأمم فيك:

 

لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللَّهِ، لِلْخَلاَصِ، لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ، لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلا،ً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ. لأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ اللَّهِ، بِإِيمَانٍ لإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: "أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا".

(رومية 1، 16- 17).

 

إن أردت أن تحصل على التأمّلات كهذه ، فاطلب منّا، كي نرسلها لك مجاناً، لبنيان إيمانك ومحبّتك ورجاك. وإن أردت منشورات مثل هذه، فوضّح لنا الأعداد الّتي تريدها لتوزّعها عملياً على محيطك. نصلّي لأجلك، حتّى يتمّم الربّ قصده فيك، لتحيا باراً بنعمته إلى الأبد.