الحياة الفضلى

مركز الدراسة بالمراسلة

  المحتويات: العدد 7

 

 خبزنا كفافنا أعطنا اليوم

(متّى 6، 11)

 

"ليَكونواً وَاحداً كما أنّنا نَحنُ وَاحدٌ أنا فيهم، وأنت فيّ، ليكونوا مكمّلين إلى واحد" ( يوحنّا 17، 22- 23)

(تأمّلات في آيات انجيل المسيح حسب البشير يوحنا)

  طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ وَيَحْفَظُونَهُ (لوقا 11، 28 )

 لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ( لوقا 4: 4

 

سلسلة التأمّلات: العدّد الأوّل

الطبعة الاولى 2005

 

الحياة الفضلى

ص.ب.226- مزرعة يشوع - المتن - لبنان

www.hayatfudla.org

  

خبزنا كفافنا أعطنا اليوم (متّى 6، 11)

 مَن يتكلّم عن الخبز والجوع، ينبغي أن يفتح عينيه ويلاحظ التلفزيون وفي الإحصاءات وفي الحقيقة، أنّ ثلث العالم يجوع. يمرّ سير الموكب الواسع مِن أناس يائسين جياع، وأصبحوا كهياكل صامتين في عصرنا. لا يلاحظ الأغنياء والشباعنين هؤلاء المساكين المعتّرين، ولا يريدون رُؤيتهم. إنّما هذا المسير مِن الجياع والمستغلّين في كل الأجيال، سوف يشتكون على أصحاب المال في الدينونة الأخيرة بدون كلمات، لأنّ وجودهم يبرهن ذنبنا.

مَن هو غني ومَن هو فقير؟

 رجل اختصاصي مِن مؤسّسة خيرية أجاب عن هذا السؤال:"كلّ البلدان يصل فيها التيّار الكهربائي البيوت، وتأتي أنابيب المياه بمياه نقيّة، وحيث تكون الطرق معبّدة، هذه البلاد تخصّ الأغنياء. ولكن حيث لا يصل التيّار الكهربائي إلى الأكواخ، ولا يكون نور في الأكواخ ليلاً، وحيث تحمل النساء المياه في الجرار على رؤوسهن من الينابيع والأنهر البعيدة، وحيث تجعل مياه الأمطار الطرق بحيرات وأوساخ، هناك يعمّ الفقر والمرض والجوع.

أمّا يسوع فأمرنا أنّ نشترك في مكافحة الجوع في العالم بكلمته:"اطلبوا مِن أبيكم السماوي يومياً الخبز الكافي. مَن يسأل يأخذ، ومَن يطلب يجد، ومَن يقرع يُفتح له" ( متّى 7، 7_ 8). لم يتكلّم يسوع في الصّلاة اليومية أوّلاً عن الخبز الكافي ليومنا هذا، بل يقرّر طلبات ثلاث مختصّة بالأمور السماوية، قبل طلبة الخبز اليومي. فالإيمان والسجود لله الآب، وتغلغل صورة الآب السماوي إلى حضارتنا، هو أهمّ مِن كلّ الطلبات الأخرى، ويأتيها الأمر لنشر الإنجيل في العالم كلّه، لينال الناس قلباً جديداً وروحاً مستقيماً، ويحملوا المسؤولية عن البعض، ويشتغلوا باجتهاد، ويرفضوا "البرطيل _ البخشيش". يقودنا هذا التغيير الجزري إلى التسليم الكلّي لله، بواسطة يسوع إبنه، لتكن مشيئته في حياتنا كما في السماء. ليتنا ندرك أنّ هذه الطلبات الثلاثة المختصّة بالسماويات، هي الشروط لأجل الطلبة بخصوص نيل الخبز اليومي.

توجّه هذه الطلبات في الصّلاة الربّانية أفكارنا وحياتنا إلى الآب والإبن بقوّة الرّوح القدس. ينبغي أنّ الصّلاة مع السجود، والخدمة الخيرية مع التبشير، وطاعة الإيمان، تأتي دائماً قبل الهموم اليومية كما قال يسوع:"اطلبوا أوَّلاً ملكوتَ اللهِ وبرَّهُ، وهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ" ( متّى 6، 33). مَن يفهم هذا المبدأ أصبح حكيماً، لأنّ الإنسان يحتاج أن يترك استقلاله المزعوم، ويدرك الّذي يعطينا الخبز، ويطلب الغذاء اليومي منه متواضعاً.

 ماذا يقصد يسوع بكلمة الخبز الّذي ينبغي أن نطلبه يوميّاً؟

 نقرأ مراراً في الإنجيل أنّ يسوع أخذ الخبز، وشكر، وكسر، وأعطى لتلاميذه (متّى 14، 19؛ 26، 26؛ يوحنا 21، 13؛ أعمال الرسل 2، 42). وأثناء إشباع خمسة آلاف مِن المستمعين ضاعف شكر يسوع الأرغفة الخمسة والسمكتين إلى غذاء كافِ لكلّ الحضور. وقصد يسوع بكلمة الخبز كل الغذاءات الضرورية، الّتي يحقّ لنا أنّ نطلبها مِن أبينا السماوي، وأنّ نشكره للحصول عليها. وهو في محبّته العظمى يشرق شمسه على الصالحين والأشرار، ويمطر على الأبرار والطالحين، لكي يكون هناك اكتفاء مِن الخبز للجميع، (متّى 5، 45؛ ولوقا 11، 5_ 13)، ويشكرون الآب، لأجل جوده الّذي لا يُحدّ. أكّد لنا يسوع أنّ أبانا السماوي يعلم ما نحتاجه مِن القوت والكسوة، قبل أنّ نطلب. إنّما يريدنا أن نطلب منه حاجتنا (متّى 6، 25_ 34). فلا يجبرنا على أخذ عطاياه، بل يعرضها لنا لننالها منه. ويخصّ هذه الضروريات للحياة الصحّة وأماكن العمل، المسكن والرّاحة لنهدأ وندرك جودة الخالق وعناية الآب السماوي ونشكره. كثيراً ما يضطرّ الربّ أنْ يرسل الجوع والفيضان وهبوط الإقتصاد والأوبئة، لكي يرجع الناس مِن عنادهم، واستقلالهم المزعوم، ويطلبوا منه بالشكر والثّقة، الخبز اليومي وما يتبعه. طلب يسوع إلى أتباعه أن ينظروا إلى سنابل الحقل، ليس لإدراك جمالها وبهاءها فحسب، بل ليبصروا كيف تنمو بدون ضجّة وباستمرار      ( متّى 6، 28_ 30). استخدم يسوع الجمال في الطبيعة كدليل على المجد وقدرة أبيه السماوي. وأراد يسوع أن يُكمل فرحه فينا (يوحنّا 15، 11و 17، 13).  وأمرنا أن نحبّ بعضنا بعضاً، كما أحبّنا هو، لكي لا ينعزل المؤمن، ويعيش لنفسه منفرداً، وليُسرّ في الشركة الرّوحية الصادقة (يوحنّا 13، 34).

 وقبل موته، أكمل يسوع مع تلاميذه ترانيم الحمد والتسابيح (المزامير 113_ 118؛ متّى 26، 30). كلّ هذا وأكثر كثيراً يخصّ الخبز اليومي، الّذي يحقّ لنا أن نطلبه مِن أبينا السماوي بثقة البنين، وشكر الشاكرين. جرّب الشيطان يسوع ليصنع مِن الحجارة خبزاً، لكي تتراكض الجماهير الجياع إليه، بدون أن يموت عوضاً عنهم على الصليب (متّى 4، 3). أما يسوع فأعطاه جواباً مِن الكتاب المقدّس، يصحّ في كلّ العصور:"ليسَ بالخبزِ وحدهُ يحيا الإنسانُ، بَلْ بِكُلِّ كلمةٍ تَخرجُ مِنْ فَمِ الله" ( متّى 4، 4). لا يكون الإنسان جسداً فقط، بل أيضاً نفس وروح. وكان النبّي أرميا يصلّي:"وُجد كلامك، فأكلته. فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" ( أرميا 15، 16؛ حزقيال 3، 1؛ ورؤيا يوحنّا 10، 8_ 9). تحتاج روحنا ونفسنا إلى غذاء قويّ، مع كلّ الفيتامينات السماوية، لكي لا نتفتت ونفسد روحياً. ويشهد روح الله لأرواحنا، أنّنا أولاد الله (رومية 8، 16). يعيش المؤمن مِن كلمة الله، التي فيها جميع القِوى والطاقات الروحيّة، مثل قدرة الخلق والشّفاء والوصيّة والغفران والتجديد والدينونة والتّعزية. لذلك سُمّي يسوع كلمة الله المتجسّد، الّذي يقدّم لنا جسده لنأكله، ودمه لنشربه في العشاء الربّاني. طوبى لمَن لا يعيش مِن الخبز المادّي فقط بل أيضاً مِن الخبز الروحي، الآتيين مِن الربّ، فينال قوّة أبديّة للخدمة والحمد.

 

واهب الخبز هو الآب السماوي

لا بدّ أنّ الخبز الّذي نأكله هو مهمّ، ولكن مُعطي الخبز هو الأهمّ. لو توقّف عطاء الخبز اليومي لمتنا جوعاً. فكلام الله، السرّي في قلبه، بعد الطوفان يتحقّق حتّى اليوم:"لا أعود ألعن الأرض مِن أجل الإنسان لأنّ تصوّر قلب الإنسان شرّير منذ حداثته. ولا أعود أيضاً أُميت كلّ حيّ كما فعلت مدَة كلّ أيّام الأرض زرع وحصاد وبرد وحرّ وصيف وشتاء ونهار وليل لا تزال" (سفر التكوين 8، 21_ 22)  يضمن الخالق للإنسان الخبز اليومي، رغم أنّه شرير منذ حداثته! برهن ربّ العهد لموسى وهارون مع شعبهم المتمرّد، أنّه هو القادر على كل شيء، ويستطيع عمل المستحيل، ويمنح المَن مِن أرض البرّية، وسلوى الطيور مِن الجوّ، والأنهر مِن الصخور. إنّه يعتني بكل الّذين يثقون به. ولكن مَن يشكره لجوده؟ ومَن يسجد له لأجل حكمته وقدرته؟ ومَن يشكر الفلاّحين لعملهم الشاق، والتجّار الّذين يجلبون الموّاد الغذائية مِن كل أنحاء العالم، والنساء اللّواتي يحضرن الأطعمة مِن المطابخ كغذاء لعائلاتهن؟ هل نأكل بسرعة، ونبتلع الغذاء بعجلة، بلا وعي وشكر، كالحيوانات. فكلّ وجبة مِن الطعام نعمة وبركة، وليس بديهيّاً. مَن يشكر الخالق لعطاياه، يدركه أكثر في حمده. ذكر يسوع مئتي مرّة في العهد الجديد، بأنّ الله هو أبوه وأبونا، الّذي لا ينسى أحداً يؤمن به.

لو قال الولد لأبيه أو أمّه: مِن فضلك، أعطني عشرين رغيفاً محشواً. فسُئل الولد: لماذا تريد عشرين رغيفاً دفعة واحدة؟ فلو أجاب الصغير: لأنّي غير متأكد أنّك سوف تعطيني غداً أو بعد غد غذائي! عندئذ يُعانق الشاكي، ويُؤكّد له، بأن لا يخاف، لأنّي أنا أبوك وأمّك، وأعتني بك دائماً، ولا أنساك أبداً. فإن كان الوالدان في الدنيا يهتمان لأولادهم بالآمانة، وإن كانت الطيور والحيوانات الدابّة تعتني بصغارها باستمرار فكم بالحري يضحّي أبونا السماوي بكل شيء ليحفظنا ويخلّصنا. تكون غريزة الحيوانات ومحبّة الوالدين رمزاً متواضعاً على محبّة الآب السماوي لجميع مخلوقاته. لذلك أمرنا يسوع، أن نطلب فقط الخبز الكافي ليوم واحد. أمّا نحن فنملك في العصر التكنولوجي البرّادات والمجلّدات الممتلئة بالأغذية، ونفتح حسابات في المصارف، ونفكر بوعي أو بدون وعي:"هذا يكفيني لأيّام كثيرة!" فيضطرّ الربّ أنّ يكسّر عنايتنا الذاتيّة وتأمين مستقبلنا، لكي نتعلّم الإيمان، أنّ أبانا السماوي يعتني بنا يومياً وكافياً. يفقد البعض منا عمله وصحّته، ويدخل مِن هذه الكوارث إلى امتحان إيمانه العميق، لكي يدرك:"لا أستطيع تدبير نفسي، وتأمين مستقبلي، بل يجب عليّ أن أتقدّم إلى أبي السماوي، والتمس منه عونه". عندئذ ندرك أنّ أبانا السماوي وابنه يُؤَمن مستقبلنا إن التجأنا إليه. يختبر الواثقون بعض المرّات، أنّ الله يمنحهم العون حتى في أحوال مستحيلة. فاهتمت الغربان بالنبّي إيليا، وأتت يومياً له بالغذاء الضروري. ولا تزال غربان إيليا تدور حتّى اليوم! (ملوك الأوّل 17، 2_ 16). كما أنّ الأرملة في صرفة صيداء اختبرت، أنّ الزّيت والطحين لا ينتهي عندها، هكذا يضع الربّ بركاته الخاصّة على غذاء خدامه المنتظرين عونه. كان في الماني مصلح مضطرّ أنّ يختبىء لمدة شهر عن الجنود المضطهدينه، فاختبأ  بين أكوام الخشب المعدّة للنار على أحد المنازل، ولم يجده الجنود. أمّا الربّ فأرسل إليه كلّ يوم دجاجة، تبيض له بيضة أمامه، لمدّة شهر.

 أخبر أحد خدّام الإنجيل واللجنة المسؤولة عنه، أنّ الأموال لديه لا تكفي لاستمراريّة الخدمة. فاقترحوا تخفيف عمل الخدمة. ولكنّ الخادم الغضبان ضرب بيده الحائط بجابنه قائلاً: إِنّ الربّ قادر أن يخرج مِن هذه الحجارة المال الكافي للخدمة. وبعد قليل رنّ جرس البيت وسأل الطارق: هل مِن انكسار أو خراب؟ فلمّا سمع أنّ الخادم الخجول اعترف بقوله أنّ الربّ قادر أن يخرج مِن هذه الحجارة المال الضروري، لتنفيذ الخدمات، فأخذ الجار محفظته، ونزع منها المبلغ اللازم، وأعطاه للخادم المندهش. فينبغي على يسوع أن يؤَنّبنا مراراً: لماذا خفتم يا قليلي الإيمان؟ (متّى 6، 30؛ 8، 26؛ 14، 31؛ 16، 8 _ 10؛ لوقا 12، 28 ...).

نصلّى خبزنا كفافنا وليس خبزي الكافي.

 الصّلاة الربّانيّة هي مدرسة الإيمان، تنشيء فينا المحبّة والرجاء، إن صلّينا هذه الصّلاة بوعي. يغلب يسوع بكلماته الأنانية في المؤمنين، لأنّهم يطلبون الخبز بصيغة (النحن) وليس بصيغة (الأنا). فلا يطلبون خبزهم الخاص فحسب، بل أيضاً خبز أخيهم الإنسان، لينال الجميع ما يحتاجون إليه. ربّما يفكّرون بهذه الكلمات (خبزنا كفافنا) أوّلاً بأسرتهم وعشيرتهم، وبعدها عن الأعضاء المحتاجين في كنيستهم، والمساكين في محيطهم، وأخيراً في الشعوب الفقيرة في عالمنا الخالي مِن المحبّة. فمَن يتعمّق في ضيقات الأخرين، ويدرك الحقائق، يحزن ويتألم. ومَن يدرك الأحوال الصعبة في البلدان النامية، لا يستطيع أن يفكّر برفاهيّة بيته أولاً، لأنّ الصور الحزينة الكئيبة تلاحقه.

تقلّ نسبة الإنتاج الجماعي السنوي المقسوم على عدد الأفراد في 35 دولة عن 365 دولاراً في السنة للشخص الواحد! هذا يعني أنّ في هذه البلدان الفقيرة ينال الشخص الفرد أقلّ مِن دولارٍ واحد يوميّاً. وفي عشرة مِن هذه البلدان، وصل الإنتاج الإجتماعي المقسوم على عدد الأفراد إلى أقلّ مِن نصف 365 دولاراً، الذي لا نستطيع أن نتصوّره، لأنّ المدخول أقلّ مِن نصف دولار للشخص في اليوم الواحد. ولإيضاح هذه الحقيقة نذكر أسماء بعض البلدان الفقيرة، ونبرز جدولين في أولهما المدخول الإجتماعي المقسوم على الفرد في السنة، وفي الجدول الثاني النسبة المئوية للذين يعيشون في حالة الفقر المخزي في هذه البلدان

إسم البلد

الدخل الاجمالي السنوي للفرد بالدولار الأميركي

نسبة الفقر %

أثيوبيا

100

82%

بنغلادش

380

38%

بركينافاسو

250

61%

بورندي

100

58%

غمبيا

270

59%

الهند

450

35%

كاميرون

550

33%

كينيا

360

23%

كرغيزستان

290

_____

لاوس

310

26%

مدغشقر

230

49%

ملاوي

160

42%

مالي

240

73%

نيجر

180

61%

نيجيريا

300

70%

زامبيا

340

64%

سيراليون

140

57%

السودان

470

____

طاتشيكستان

180

10%

تنزانيا

290

20%

تشاد

210

80%

أوغندا

240

82%

أوزبكستان

310

19%

 ومَن يسجّل لأجل البلدان الغنّية نفس المبادىء، يخف مِن الأرقام المسجّلة. 

إسم البلد

الدخل الاجمالي السنوي للفرد بالدولار الأميركي

نسبة الفقر%

لوكسمبورغ

40000

___

النروج

38000

___

سويسرا

36000

___

أميركا الشمالية

35400

___

الدانمارك

34000

___

إيسلندا

30260

___

السويد

28000

___

المملكة المتّحدة

255000

___

النمسا

24000

___

فيلندا

24000

___

هولندا

23400

___

بلجيكا

23000

___

ايرلندا

23000

___

المانيا

22700

___

كندا

22400

___

فرنسا

22200

___

سنغافورة

20800

___

استراليا

19500

___

ايطاليا

19000

___

 ومَن يسجّل لأجل البلدان الغنّية نفس المبادىء، يخف مِن الأرقام المسجّلة. 

إسم البلد

الدخل الاجمالي السنوي للفرد بالدولار الأميركي

نسبة الفقر%

لوكسمبورغ

40000

___

النروج

38000

___

سويسرا

36000

___

أميركا الشمالية

35400

___

الدانمارك

34000

___

إيسلندا

30260

___

السويد

28000

___

المملكة المتّحدة

255000

___

النمسا

24000

___

فيلندا

24000

___

هولندا

23400

___

بلجيكا

23000

___

ايرلندا

23000

___

المانيا

22700

___

كندا

22400

___

فرنسا

22200

___

سنغافورة

20800

___

استراليا

19500

___

ايطاليا

19000

___

إضافة لهذه الإحصاءات نضيف المعلومات عن البلاد العربية والإسلامية في الشرق الأوسط وإسرائيل. يوجد لتعيين الإنتاج الجماعي المقسوم على عدد الأفراد مصادر مختلفة مع أخبار متناقضة، فنذكر الأرقام الأعلى والأرقام الأدنى لكل بلد. ومِن الضروري أن ندرك نسبة البلدان المنتجة للبترول والغازات، بأنّ الإنتاج الجماعي يكون مقسوماً ليس على المواطنين فقط بل على كل الساكنين أيضاً، فتتغير الأرقام كثيراً. أمّا المعلومات عن حالة الفقر في بعض البلدان يكون مشكوكاً فيه:

اسم البلد

الدخل الاجمالي السنوي للفرد بالدولار الأميركي

نسبة الفقر %

مصر

700_ 1470

3%

الجزائر

1720_ 2760

2%

البحرين

8530_ 10500

___

إيران

1720_ 4170

2%

إسرائيل

6810_ 16020

___

اليمن

490_ 580

16%

الأردن

1760_ 3630

2%

قطر

9200_ 12360

___

الكويت

14870_ 16340

___

لبنان

1900_ 4000

___

ليبيا

5410_ 7500

___

موريتانيا

280_ 480

29%

المغرب

620_ 1170

2%

عُمان

4990_ 7830

___

باكستان

315_ 420

13%

السعودية

8530_ 8860

___

السنغال

370_ 510

26%

الصومال

270_ 290

___

السودان

320_ 370

___

سوريا

1130_ 1820

___

تونس

1120_ 1990

2%

تركيا

1110_ 2490

2%

الإمارات

14410_ 19120

___

مَن يقرأ هذه التفاصيل، ويفهمها، يفزع، ويحزن لأجل الضّيقات والمشاكل المستترة خلف هذه الأرقام. نذكر بعضها ما دام متعلقاً بطلبة خبزنا كفافنا أعطنا اليوم. نجد في هذه الأيّام أنّ أعضاء البلدان النامية تتدخل بالقوّة والحيلة إلى أوروبا وأميركا متمنين أن يجدوا هناك مستقبلاً أفضل ممّا في بلادهم. ليتهم يفكّرون بكلمة يسوع:"أيسر أن يدخل جمل مِن ثقب الإبرة مِن أن يدخل غني إلى ملكوت الله" (لوقا 18، 24_ 25). الغِنى يتطلّب منه العطاء، فمَن لا يضحّي كفاية يفسد نفسه حسب الجسد النفس والروح، في هذه الدنيا ولا بدّ في الدينونة الأخيرة (لوقا 16، 19_ 31). لا يحلّ الغِنى كلّ المشاكل، بل بالعكس تأتي أحمال جديدة أخرى.  ومَن يفكّر بجدول البلدان العربية والإسلامية ير أنّ هناك بلداناً غنيّة وفقيرة بجانب بعضها البعض. فلماذا لا تساعد البلدان الإسلامية الغنيّة ولو قليلاً البلدان العربية الفقيرة والمحتاجة؟ هل يتعلّق عدم هذا العطاء بمبدأ القضاء والقدر، وكأنّ الله قد عيّن الغنى والفقر للأفراد ولا يجوز التدخّل في تعيين الله المسبق؟

 نجد أنّ البلدان العربية على شاطىء البحر المتوسط هي في حالة أفضل بثلاث أو عشر مرّات أكثر مِن البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا، أي في البلدان 35 المذكورة أعلاه، الذين يعيشون تحت مستوى الفقر. فمَن يقيس نفسه بالبلاد تحت مستوى الفقر يدرك رفاهيّة بلاده المحدودة. ولماذا تدخل إلى البلاد العربية سيّدات وفتيات كمساعدات في البيوت مِن أثيوبيا وسيريلنكا والفيلبين، لأنهم يجدون في الشرق الأوسط غنى بالنسبة لبلادهم المحتاجة.  أينما يسكن المرء فليشكر أولاً مِن أجل الخبز اليومي، الّذي ناله، ويطلب أيضاً مِن الربّ المساعدة للآخرين، ويدرك الفقراء والمتروكين والمرضى، ويساعدهم عمليّاً، بقدر إمكانيّاته وحكمته. فضيقات المتضيقين لا تحلّها الإشتراكيّة أو الشيوعيّة ولا الرأسماليّة كما قال يسوع:"إنّ الفقراءَ معكمْ في كلّ حينٍ، ومَتَى أردتمْ تقدرونَ أنْ تعملوا بِهِمْ خَيراً" (مرقس 14، 7). تقودنا معرفة الغِنى والفقر إلى التّوبة حتماً، لأنّ الفقراء ترجو الغنى، والأغنياء لا يهتمّون بالفقراء! ويتّكل الجميع على خِطى الغنى، وينسون أنّ يسوع أثبت بكل وضوح:"لا تقدرون أن تخدموا الله والمال" (متّى 6، 24).  فمَن يريد أن يخدم الآخرين فليساعدهم على مساعدة أنفسهم، والتغلّب على الأميّة، ويخلق في الأفراد الإبتعاد عن البخشيش (البرطيل)، ويعيش قدوة أمامهم بأن يعملوا باجتهاد، وتخطيط متواضع، وثِقّة في بركة الله.

 وحيث يدخل المرض، ويبطل العمل، فهذا يحتاج أولاً إلى غلبة المرض في الجسد بعون الربّ. وحيث لا يستطيع أحد أن يعمل أبداً، فلا بدّ أنّ عشيرته تشترك في إعالته. وإنْ لم يكن هناك مِن عشيرة، فليمتحن إدارة الكنيسة، كيف يمكن أن تساعد عضو ما. فالمحبّة تجد دائماً طريقها للعون العملي، كما قال يسوع: متّى أردتم تقدرون أن تعملوا بهم خيراً.  ومِن كثرة الضيقات في العالم، والمساعدات القليلة المحدودة، نتعلّم أنّ العالم يحتاج أولاً إلى الإنجيل. فبدون نيل الغفران، وتجديد الأذهان، لا تثبت المحبّة، ولا يثبت الحقّ، ولا يضحّي الفرد. فالبشريّة محتاجة إلى يسوع وخلاصه. هو أمرنا:"الحصادُ كثيرٌ، ولكنّ الفَعَلةَ قليلون. فاطلبوا مِن ربّ الحَصَادِ أنْ يُرسلَ فَعَلةً إلى حَصَادِهِ" (متّى 9، 37_ 38). فمَن يصلّي مِن أجل الخبز للمحتاجين، ينبغي أن يهتمّ بنشر الإنجيل إليهم أيضاً.

 لماذا لم يستجب الربّ كلّ الصّلوات؟

نلتمس مِن الآب السماوي أن يعطينا الخبز اليومي، لنا ولكلّ المعروفين لدينا. وأكّد يسوع لنا مراراً، أنّ كلّ صلواتنا، الّتي نقدّمها إلى الآب، باسمه يستجيب لها (متّى 7، 7_ 11؛ 18_ 19؛ 21_ 22 و مرقس 11_ 24؛ لوقا 5، 14_ 15). فوعده إمتياز مؤكّد لنا. إنّما الربّ يحذّرنا أيضاً، إذا لم نسامح مضادينا، ولا نغفر جميع تعدياتهم، نفقد نحن أيضاً الغفران المعطى لنا ( متّى 6، 12و 15 ؛ 18، 32_ 35 ولوقا 6، 26_ 28 ويعقوب 2، 13 ويوحنّا الأولى 4، 11). فمَن يبغض إنساناً ما، ويرفضه، ولا يريد المصالحة معه، فلا رجاء كبير أنّ صلواته مستجابة. ومَن يشكّ في كلمة يسوع ولا يؤمن به كطفل، لا يتعجّب إن لم تستجاب صلواته س( متّى 12، 31_ 32؛ 14، 32 ومرقس 9، 23_ 24).

كل أشكال الأنانيّة والكبرياء والأبّهة والإستكبار تمنع إستجابة الصلاة. فالأفضل إن اعترفنا بخطايانا المعروفة لدينا للآب السماوي، ونعترف بذنوبنا، وعدم استحقاقنا بوضوح ( متّى 5، 3 ويوحنّا الأولى 1_ 10). عندئذ لا تمنع سيّئاتنا ونجاساتنا مِن الاتصال بأبينا السماوي. ندرك مِن هذه الحقائق الروحيّة، أنّ الموضوع ليس الخبز اليومي وحسب، بل علاقتنا بأبينا السماوي وابنه الحبيب وقوّة الرّوح القدس. تريد وحدة الثالوث الأقدس الممتلئة بالمحبّة أن تجذبنا إلى خطّة الخلاص. لا تنسي أنّ أباك السماوي يريد أن يخلّصك مِن دينوناته العادلة، بواسطة إيمانك في كفّارة المسيح عنك. وهو يريد أن يغلب أنانيتك الموروثة، ليأتي الروح القدس فيك بثمار الصليب. يريد أبوك السماوي أن لا يساعدك في حياتك الدنيويّة فقط بل يقصد أن يبني حياتك الروحيّة، ويجعلك ناضجاً فيها. وللحصول على هذا الهدف تحتاج إلى غذاء قوي، نازل مِن السماء إليك. لذلك قال يسوع:"أنا هو خُبز الحياة. مَن يُقبل إليّ فلا يجوع، ومَن يؤمن بي يعطشُ أبداً" (يوحنّا 6، 35). نطلب في الصّلاة الربّانية ليس فقط الخبز اليومي، بل أيضاً غذاء الروّاد السماويّة. فكما أن نلوك الخبز في الفم، ونبلعه، لكي يصبح فينا قوّة، هكذا يريد يسوع أن يحلّ فينا بكلماته، وسرِّه، وروحه، ويسكن فينا إلى الأبد، ونعيش معه بلا انقضاء.

لقد أكد يسوع لأتباعه:"طوبَى للجياع والعطاش إلى البرّ، لأنّهم يشبعونَ" (متّى 5، 6). وكما أنّ أولاد يعقوب كانوا مكلّفين مِن الربّ أكل لحم الفِصح في مصر، ليهربوا في قوّة الحمل مِن العبوديّة، هكذا بمعنى روحيّ، يكون يسوع حمل الفصح الحقيقي، الّذي نأكله في العشاء الربّاني، والّذي يحلّ بروحه القدّوس فينا، لكي نهرب مِن عبوديّة الخطيئة، والموت والشيطان (متّى 26، 26_ 28). يستجيب الآب السماوي صلاتك لأجل خبزك اليومي، ويرسل إبنه لكي يحلّ فيك، كما الخبز اليومي. ويمنحك الآب السماوي بحلول إبنه فيك الحياة الحقيقية، التي لن تزول. فأنت محتاج إلى يسوع بالحاح شديد، كما تحتاج إلى الخبز اليومي. فبدونه تبقى ضعيفاً بالمعنى الروحي. إنّما معه، وبإيمانك به تحيا وتتجدّد، وتنتقل إلى أسرة أبينا السماوي. إنّ يسوع هو جواب الآب على طلبتك، هو خبز الحياة لأجلك، الّذي تدوم طاقته إلى الأبد، وهو يهتمّ أيضاً بمشاكلك الدنيويّة وحاجتك اليوميّة.

هل شكرت يسوع، لأنّه وهب نفسه كخبز سماوي لك مجّاناً؟ (يوحنّا 6، 26-59). وهذا الخبز الفريد مِن نوعه، لا يتعفّن، ولكن لا بدّ لكلّ إنسان، أن يأخذه ويأكله. هل قبلت يسوع في قلبك حقاً؟ هل أدركت امتيازك؟ وتؤمن أنّك لأجل يسوع ثبتّ في الآب والإبن؟ ولن تجوع إلى النعمة فيما بعد، ولن تعطش إلى الحقّ، لأنّه هو الحقّ. فحياتك الدنيويّة والأبديّة تبقى محفوظتين في محبّة وحدة الثالوث الأقدس إلى الأبد. آمين.  

 بركات الله في البلايا

إنَّ جُودَ الله يَدعو للسرور  ---- زَمَنَ الخيرِ وفي وقتِ الشرور

فمتى أمسَتْ رَحَى البَلوى تدُور ---- بَرَكات الربِّ عَدِّدْ شاكِرا

في ليالي الفَقرِ والهَمِّ الأليمْ ---- وَزَمانِ الضيقِ والخَوفِ العظيمْ

واضطرامِ البُغضِ والجورِ الذَّميمْ ---- برَكاتِ الربِّ عَدِّدْ شاكراً

في شديد الحُزنِ والغَمِّ المُذِيبْ ---- وسقامِ الجِسمِ والعجزِ المُريبْ

وظَلامِ اليأسِ والهَولِ المُشيبْ ---- بركاتِ الربِّ عَدِّدْ شاكِرا

لَيستِ الرِفعةُ حِرزاً مِنْ شَقاء ---- لا ولا الأموالُ كَنْزاً ذا بَقاءْ

فَلأَنَّ في التُّقَى خَيْرَ الغَناءْ ---- بَرَكاتِ الربِّ عَدِّدْ شاكِراً

بَرَكاتِ الربِّ عددْ شاكراً ---- واعترف بالجودِ حتَّى في العَناءْ

كُلَّ صُبحٍ ومَساءٍ ذاكراً ---- جُوده السَّمي بحمدٍ وثناءْ  

(جورج فورد اللبناني)

ليَكونواً وَاحداً كما أنّنا نَحنُ وَاحدٌ أنا فيهم، وأنت فيّ، ليكونوا مكمّلين إلى واحد

 من صلاة المسيح الشفاعية  حسب البشير يوحنّا 17، 22- 23

نسمع في هذه الأيام عن اندماج بعض المصارف مع بعضها، واتّحاد دُوّل مع بعضها، وتقارب الكنائس مِن بعضها، وحتّى عند المسلمين حدث اتحاد للدول الإسلامية، كما أنّ شبكة الإتصالات الألكترونية الدولية استطاعت بأن تحوّل العالم إلى قرية صغيرة. الدافع إلى هذه الموْجة الإتحاديّة هي الفكرة، أنّ الوحدة تمنح قوّة وتوفير وفاعليّة، ويَتمنّى المسؤولون أنّ هذا التوحيد البشري، يقدر أن يضبط زيادة النسل في البلدان.

يعيش على كرتنا الأرضية سنة 2005 بعد المسيح حوالي 6,4 مليار إنسان. ومنها

1,9 مليار   مسيحي بالاسم      (30%)

1،4 مليار   مسلم                (20%)

1،3 مليار   ملحد                (20%)

1,3 مليار   صيني                (20%)

1،1 مليار   هندي               (17%)

ومن بينهم:

860 مليون هندوسي                      (13،5%)

450 مليون بوذي                         (6،9%)

450 مليون من أديان الشرق الأقصى      (6،9%)

230 مليون وثني                          (3،6%)

20   مليون اليهودي عالمياً                (0،3%)

12   مليون من المناجين للأرواح          (0،2%)

 ونرى أنّ الفئة الّتي تنمو بأكثر سرعة هي المسلمون، الّذين يتضاعفون في 27 سنة في سبيل زيادة النسل، بينما المسيحيون يتضاعفون في 54 سنة فقط بسبب قِلّة النسل.

أصبحت المسيحية مِن الأقلّيات في العالم فتجمع حوالي ثلث سكانه:

الأرثوذكس                   الأكثر مِن250 مليون (9و3%)

الكاثوليك                         حوالي    1 المليار  (17%)

البروتستانت في تنوّعهم                  640 مليون  (10%)

وُجد قبل 25 سنة بين البروتستانت"22 ألف سينودس مستقلّ" مع ما يشمل طقوسهم وأنظمتهم، وشرائعهم وعقائدهم، مَن يُدرك هذه الحقيقة المؤلمة، يفهم أنّ صلاة يسوع: "ليكونوا واحداً" تقودنا أولاً إلى التوبة. لنسأل أنفسنا، إن كانت كبرياء الأحبار، أو المحبة الناقصة بين الأديان، أو الإرشاد بالرّوح القدس المفقود، أو تأثيرات شيطانية تسبب الإنشقاقات بين الكنائس؟ إنقسامات اللغّة في عالمنا مع 6528 لغّة معروفة، تشترك في تنوّع الكنائس. نظراً لهذه الحقائق يكون مفهوماً، أنّ زعماء الكنائس تقصد بالتقارب والتعاون الكنائسي أكثر فأكثر. كوّنت الحركة المسكونية، فالإجتماع العالمي للكنائس الأولى حدث في المجمع المسكوني في مدينة نيقا، في بلاد الأناضول، زمن الرومان سنة 325 بعد المسيح. حاول بعض الأحبار أن يعيدوا هذا المجمع العالمي سنة 1925 في استوكهولم. أمّا البابا بِيُوس الحادي عشر منع في سنة 1928 جميع الكاثوليك أن يشتركوا في هذه المحاولات لتوحيد الكنائس، ووضّح أن رجوع جميع المسيحيين إلى روما، وطاعتهم للبابا، يكون الأساس الوحيد لتوحيد الكنائس. وحدثت إجتماعات كنسية عالميّة بدون الكاثوليك 1927 في لوزان السويسرية، وفي 1937 في ادنبورغ في اسكتلندا، حتّى أسست 1938 المؤسّسة المسكونية، واشترك في المجمع 1948 في أمستردام في هولندا، الكنائس الأرثوذكسية كأعضاء لهم كلّ الحقوق. ولكن بعد ظهور ملامح مِن محاولات توحيد الأديان في المؤسسة المسكونيّة يبدأ السؤال:" ما هو معنى صلاة يسوع بالحقيقة؟" الّتي هي الأصل لكلّ محاولات التوحيد، ولنقبل منه، مِن الربّ الحي، التصحيح مِن صلاته الشفاعية.

الجزء الأول: كيف يكون الثالوث الأقدس واحد؟

كان يسوع يطلب مِن أبيه توحيد كنيسته، ليس بمعنى تنظيم دنيوي كوحدة الكنائس، بل صلاته تهدف إلى الشراكة الروحيّة والوئام والمحبة، بمقدار كما أنّ الآب والابن والرّوح القدس هم واحد. فمَن يريد أن يفهم موضوع وحدة الكنائس فليُدرك المبادىء في وحدة الثالوث، ليفهم قصد يسوع، وما يتوقّعه منا ومِن كنائسه.

 كيف تظهر الوحدة بين الآب والإبن؟

"إنّ الله نور، وليس فيه ظلمة البتة" (يوحنّا الأولى 1، 5). وقال يسوع:" أنا هو نور العالم. فمَن يتبعني، فلا يمشي في ظلمة بل يكون له نور الحياة" (يوحنّا 8، 12).

"الله روح. والّذين يسجدون له فبالرّوح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنّا 4، 24) أمّا المسيح فهو المولود مِن الرّوح القدس (متّى 1، 20 ؛ لوقا 1، 35) فقال:" المولود مِن الرّوح هو روح" ( يوحنّا 3، 6). وأثبت بولس هذه الحقيقة بشهادته:" وأمّا الربّ فهو روح، وحيث روح الربّ، هناك حرّية" (كورنثوس الثانية 3، 17).

"الله محبة. ومَن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (يوحنّا الأولى 4، 16) وشهد الله الآب علانية:" هذا هو إبني الحبيب الّذي به سررت" (متّى 3، 17). وأعلن يسوع: "وصيّة جديدة أعطيكم، أن تحبّوا بعضكم بعضاً، كما أنا أحببتكم" (يوحنّا 13، 34).

ونقرأ في الكتاب المقدّس:" كلامك هو حق" (صموئيل الثاني 7، 28 ؛ المزمور 119، 160) وقال يسوع:" أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب، إلا بي" (يوحنّا 14، 6).

 أعلن يسوع:" كما أنّ الآب له حياة في ذاته، كذلك أعطي الإبن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته" (يوحنّا 5، 26). واستمرّ يسوع بإعلانه:" أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي، ولو مات، فسيحيا، وكلّ مَن كان حيّاً، وآمن بي، فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟" (يوحنّا 11، 25- 26).

ينادي الكروبيم:" قدّوس قدّوس قدّوس، الربّ الإله القادر على كلّ شيء، الّذي كان والكائن والّذي يأتي" (رؤيا يوحنّا 4، 8). أمّا يسوع فشهد:" دُفع إليَّ كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض" (متّى 28، 18).  وأعلن يسوع:" أنا والآب واحد" (يوحنّا 10، 30) وفي صلاته الشفاعية قال لأبيه: " إنّنا نحن واحد" (يوحنّا 17، 22). الوحدة بين الآب والإبن تكون القالب الأزلي، والقدوة، والسبب لوحدة الكنائس.

كيف ظهرت وحدة الثالوث في حياة يسوع عملياً؟

كان يسوع مطيعاً حتّى الموت، موت الصليب (فيليبي 2، 8)، وصلى في جسيماني: " يا أبتاه، إن لم يُمكن أن تعبر عني هذه الكأس، إلا أن أشربها، فلتكن مشيئتك" (متّى 26، 42) امتلأ يسوع تواضعاً، ودفع كلّ إكرام وشرف إلى أبيه قائلاً:"الحقّ الحقّ أقول لكم: لا يقدر الإبن أن يفعل مِن نفسه شيئاً، إلا ما ينظر الآب يعمل، لأن مهما عمل ذاك، فهذا يعمله الإبن كذلك" (يوحنّا 5، 19). واستمرّ يسوع في إعلان ذاته قائلاً:" تعلّموا منّي، لأنّي وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم" (متّى 11، 29). يشجّعنا يوحنّا البشير:" لنحبّه، لأنّه أحبّنا أولاً" (يوحنّا الأولى 4، 19). نقرأ تفسيراً لهذه الآية:" لأنّه هكذا أحبّ الله العالم حتّى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ مَنْ يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنّا 3، 16).

المسيح هو محبّة الله المتجسّد

وثق يسوع بعناية أبيه، أنّه يعطيه ولتلاميذه في كلّ يوم الخبز الكافي، بدون أن يأخذ أحد منهم راتباً أو أجرة أو وظيفة. كان يسوع منقاداً مِن الرّوح، الّذي أرشده إلى البرّية، ليُجرّب مِن الشيطان، ويغلبه (متّى 4، 1). دعا يسوع تلاميذه، بعدما صلى الليل كاملاً. كان سامعاً، ما قاله أبوه إليه:" كما أسمع أدين" (يوحنّا 5، 30)، وأوضح السِرّ العميق:"طوبى للّذين يسمعون كلام الله، ويحفظونه" (لوقا 11، 28). شهد يسوع أمام قبر اليعازر المفتوح:" أيّها الآب، أشكرك، لأنّك سمعت لي. وأنا علمتُ، أنّك في كلّ حين تسمع لي. ولكن لأجل هذا الجمع الواقف، قلتُ، ليؤمنوا أنّك أرسلتني"          (يوحنّا 11، 41- 42). شكر يسوع أباه لاستجابة صلاته:" أحمدك أيّها الآب، ربّ السّماء والأرض، لأنّك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء، وأعلنتها للأطفال"    (متّى 11، 25). وأخذ يسوع الأرغفة، وشكر، ووزّع على التلاميذ، والتلاميذ أعطوا المتكئين (يوحنّا 6، 11).

إنّ إلهنا إله متواضع، ووديع، وممتلىء بالمحبّة. عَلِم أنّ ابنه الحبيب، لا ولن يقوم بثورة عليه، فدفع إليه كلّ سلطان في السماء وعلى الأرض. لن يحدث في السماء انقلاب، كما ظنّ محمّد: لو وُجد إلهان فيغلب أحدهما الآخر. إلهنا محبّة، فخضع يسوع لأبيه طوعاً. سِرّ وحدة الله، ليس شريعة ولا نظام، بل الكيان في الرّوح القدس، كما نقرأ عنه: " محبة الله، قد انسكبت في قلوبنا، بالرّوح القدس المعطى لنا" (رومية 5، 5). وبهذه الحقيقة أي انسكاب الرّوح القدس في أتباع يسوع المسيح نجد تحقيق القصد الإلهي: "ليكونوا واحداً، كما أنّنا نحن واحد، أنا فيهم، وأنت فيّ، ليكونوا مكمّلين إلى    واحد ...." (يوحنّا 17، 22- 23)

 

الجزء الثاني: كيف يجذب الثالوث القدوس  أتباع المسيح إلى وحدته؟

إنّ الله هو أبونا الروحي، ونحن أولاده بالتبنيّ والولادة الروحية. فأصبحنا أُسرته، ومِن أهل بيته، بالنعمة. نخصّه وهو يخصّنا (متّى 6، 9 ؛ أفسس 2، 19 ؛ يوحنّا الأولى 3، 1- 3). يسوع المسيح هو ربّنا، وملكنا. كنيسته هي جسده الرّوحي، وهو رأسه (رومية 12، 5؛  أفسس 1، 22- 23 ؛ 3، 6؛ 4، 4، 15؛ كولوسي 1، 18). يسكن الرّوح القدس في الكنيسة الحقّة، وهي هيكله (كورنثوس الأولى 3، 16- 17؛ 6، 19؛ أفسس 2، 21- 22). تجذبنا وحدة الثالوث الأقدس كمغناطيس قوي، لندخل ونثبت فيها. وفَسّر يسوع هذا السِرّ بقوله: "ليكونوا واحداً، كما أنّنا نحن واحد، أنا فيهم، وأنت فيّ". كان يصلي قبل هذا الطلب:" ليكون الجميع واحداً، كما أنّك، أيّها الآب فيّ، وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا (يوحنّا 17، 21- 23). نتعلّم مِن هذه الآيات الذهبية، أنّ وحدة الكنائس ليست مِن إرادة الإنسان، بل مِن صلاة يسوع وإرادته. تتم هذه الوحدة بحلول الرّوح القدس في المؤمنين، فنفس الرّوح يسكن في جميع أتباع يسوع. هذه الوحدة موجودة تتحقّق كلّ يوم مِن جديد.

 

كيف يحقّق الله توحيده مع الخطاة

 مَن يُريد أن يُدرك هذه العجيبة، يستطيع أن يميّز ثلاث درجات:

 أولاً: تأتي التوبة بالرّوح القدس مع إدراك الخطايا، والإعتراف بها أمام الله. هذا الإعتراف يُسبّب إنكسار كبرياء الإنسان، الّذي يعترف به ضمناً، أنّه لا يقدر أن يخلّص نفسه بنفسه.

ثانياً: يمهدّ الطريق إلى التوحيد مع الله قبول التائب لذبيحة المسيح الكفّاري، مؤمناً أنّ هذا النائب احتمل خطايانا، وغضب الله، والقصاص عوضاً عنّا. ومع هذا الإقتراب إلى نعمة الله يُسلّم المؤمن حياته بين يديّ فاديه يسوع المسيح، الّذي يُطهّر الإنسان بماضيه وحاضره ومستقبله، ويُبرّره تبريراً أبدياً بالإيمان، مع شكره لهذا الامتياز.

 ثالثاً: مَن يؤمن بتطهيره بدم يسوع المسيح، ينل هبة الله: الرّوح القدس، الّذي هو قوّة الله الحالّة في المؤمن. ويُسمّي الكتاب المقدّس حلول الرّوح القدس في الإنسان تجديده أو الولادة الثانية، مِن ماء التوبة ومِن قداسة الرّوح. يُنتج مِن هذين العنصرين الكيان الجديد للحياة الأبدية.

 

يؤكّد لنا الإنجيل، خلاصنا مِن غضب الله، مِن موتنا المرير، ومِن سلطان الشيطان، الّذي لا يجد حقّ الإتّهام علينا فيما بعد، لأن قوّة المسيح تحرّرنا مِن سلطة الخطيئة. يظهر تقديس الإنسان، كمصارعة الخاطىء المتبرّر، مع جسده، وارتباطاته الدنيوية، في قوّة الرّوح القدس. ليس الإنسان صالحاً في ذاته، بل الله يعتبره صالحاً، لأجل ذبيحة المسيح الكفّاري. أمّا الرّوح القدس فيُنشئ في الناجي محبّة إلهيّة، وفرحاً روحيّاً، وسلاماً متفوّقاً وسعادةً مستمرّة، ووداعة جريئة، وإيماناً أميناً، وعفّة في ضبط النفس. يتعلّم المولود ثانية كل يوم من جديد أعمال المحبّة، وخدمة المكروهين، والحمد لله. يُنكر نفسه، ويَصغر أكثر فأكثر، لكي يظهر يسوع فيه، وينمو في قدرته. فيقين رجائنا هو مبني على استيطان الرّوح القدس فينا. وسمّى بولس هذا السِرّ: "المسيح فيكم رجاء المجد".

 الرّوح القدس هو عربون خلاصنا الموهوب لنا مجّاناً. أمّا الكمال المطلوب منا، أن نكون كاملين كما أنّ أبانا في السماء هو كامل، سوف يتحقق في عودة المسيح إلينا، كهبة لنعمته. إنّما المجد المُستتر اليوم في أولاد الله. تزداد نقاء فيهم بالآلام، لتُقوّي محبّتهم وصبرهم، مِن أجل الغفران للّذين أساؤوا إليهم. مع العلم أنّ دم يسوع المسيح وروحه القدّوس هما كاملان الآن، كما كانا منذ الأزل وإلى الأبد. فمجيء المسيح الثاني هو هدف كياننا الرّوحي. إخْتبرَ المؤمن، حضور وحدة الثالوث الأقدس في حياته، بواسطة الإيمان والمحبّة والرجاء. إنّما توحيد الله مع الخاطىء المتبرّر، هو حقيقة روحيّة، مبنية على الحقّ الأبدي. لا يعرف الكفّار هذه الحقيقة، المعطاة للمؤمنين بالمسيح. إنّ الله يأتي إلينا، ويسكن فينا، وختم على امتياز نعمته في العهد الجديد بدم يسوع المسيح. كما يدخل جسده ودمه في رموز الخبز والخمر في العشاء الربّاني فينا، هكذا يسكن الآب والإبن والرّوح القدس حقاً فينا إلى الأبد.

الجزء الثالث: كيف يتحقق الله في المؤمنين وحدتهم مع المسيح؟

 الوحدة الروحيّة بين المؤمنين في المسيح غير مبنية على موافقتهم أو أمنياتهم، بل تصدر من صلاة المسيح وأمره، إذ قال:" ليكونوا واحداً، كما أنّنا نحن واحد، أنا فيهم وأنت فيّ، ليكونوا مكمّلين إلى واحد" (يوحنّا 17، 22- 23).ليتنا نحفظ هذه الجملة الإلهيّة غيباً.  تهدف هذه الصلاة الشفاعية، ليس على توحيد الكنائس، كإتّحاد منظّم أولاً، بل على وحدة روحيّة، بواسطة إسكان المسيح في قلوب المؤمنين. هذه الوحدة الموهوبة لهم، هي حقيقة روحيّة، لأنّ المسيح حلّ فيهم حقاً. وكما أنّنا نأكل في العشاء الربّاني الخبز الواحد، فيسكن المسيح الكامل في جميع المؤمنين. نحن معاً جسده الروحي. هذه الحقيقة هي سِرّ المولودين مِن روح الله، فيسكن فيهم نفس الرّوح، إن كانوا مولودين ثانية بالحقيقة. فوحدتهم حقّ، لا ولن تتجزأ. إنّما هذه الوحدة في الرّوح القدس تظهر في بعض الطقوس واضحاً:

الأعمدة الثلاثة لوحدة الكنائس

 ينطق جميع أتباع المسيح الصلاة الربّانية كصلاتهم النموذجية، ويعترفون بها أنّ الله العظيم هو أبوهم، وهم أولاده، وأنّه يهتمّ بهم حسب الجسد والنفس والرّوح بكلّ إخلاص. تؤكّد لنا صرخة الرّوح القدس:"يا أبا الآب" بُنوتنا في أسرة أبينا السماوي (رومية 8، 14- 16). يعترف كلّ مسيحي مرتكز على صليب المسيح " قانون الإيمان النيقاوي"، ويشهد به بألوهيّة المسيح وإنسانيته. فمَن يُنكر ألوهيّة المسيح وإنسانيته، فليس مسيحياً، بل مضادّاً للمسيح كما كتب الرسول يوحنّا (يوحنّا الأولى 2، 22- 25). لذلك لا يستطيع شهود يهوه أو السبتيون أو اليهود أو المسلمون أن يشتركوا في وحدة الله مع أولاده الروحانيين.

 يقبل المولودون مِن الرّوح القدس الوصايا العشر، كما فسّرها المسيح ورسله. تتضمن شريعة المسيح أكثر مِن ألف وصية ونصيحة، الّتي نطقها في أقواله، ويُريد بها أن يقدّس أعمالنا ومقاصدنا وأمنياتنا. إنّما شريعته لا تضغط كقانون مستحيل تطبيقه، بل هو يمنح مع شريعته الجديدة تبريرنا اليومي مِن الزلاّت الغير المقصودة، ويقوّينا بالرّوح القدس، كي نسلك في وصايا محبّته.

ماذا تبني وحدة المؤمنين فيما بينهم؟

 مَن يوافق على هذه الأعمدة الثلاثة، لوحدة الكنائس، ينبغي أن لا يفكّر أنّ كنيسته الخاصّة هي الكنيسة الوحيدة، الّتي حصلت على النّعمة والحقّ. وبالأحرى ينبغي أن يعترف بأخوة وأخوات في الكنائس المتنوعة، ويقبلها كإخوة مخلصين ما دام ابن الله المصلوب والمقام مِن بين الأموات هو محور عقيدتهم. الإعتراف المتبادل والقبول الودّي مبنيان على النموّ الرّوحي في نضوج محبّة المسيح فينا. فمَن يُدين الآخرين مِن دون محبّة، فلينظر أن لا يكون هو أيضاً مُدان بنفس المكيال الّذي آدان الأخرين بها. فمَن يحتقر المؤمنين الآخرين، أو يعتبرهم أقلّ شأناً منه، فلا يزال غير منكسّر مِن كبريائه الخبيث. مَن يعرف الله القدّوس، يعترف مع أشعيا:"ويل لي إني هلكت، لأنّي إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأنّ عينيّ قد رأتا الملك ربّ الجنود" (أشعيا 6، 5). فكلّ متكبّر لا يعرف الله بالحقيقة. لا نكون شيئاً أمام القدّوس، بل خطأة هالكين. كلّنا نعيش مِن نعمته، وليس لنا الشرف الخاصّ. المنكسّر لذاته هو متحرّر للوحدة مع المسيحيين الآخرين في المسيح. كلّ مؤمن حيّ في الرّوح القدس، يخدم بانقياده. المسيح لم يأت ليُخدَم بل ليَخدُم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين (متّى 20، 28). فمَن يتبع المسيح لا يصبح رئيساً ولا عظيماً، بل خادماً وعبداً لمحبّته. كلّنا مدعوون لنساعد المحتاجين، ولنأوي المطرودين، ونضحّي مِن أجل المساكين، ونصلّي للجميع، ونتحرّر لننشر كلمة الربّ، ونخدم حسب الحاجّة. يفدينا المسيح مِن أنانيتنا الموروثة، ومِن الإرتباطات في عشيرتنا، لنرى الضالّين، ونحبّ المنبوذين، ونقبل اللاجئين، ونساعد الفاسدين، ونزور المساجين، ونهتم بالمرضى، ونتبع الجياع، ونقدّم لكلّ الّذين لا يعرفون يسوع خلاصه.

وحّدت شركة خدمة المسيح المسيحيين مِن كلّ الطوائف والعقائد، إن كانوا مزمعين أن يخدموا، ولا يتكلموا فقط عن الخدمة، بل يضحّوا عملياً في سبيل المسيح. يحتاج الإعتراف المتبادل إلى الغفران المتبادل. فمَن يتعمّق في تاريخ الكنيسة أو ينظر إلى حياة المؤمنين في كنائسهم يجد ألف سبب وسبب لينسحب واحد مِن الشركة، ويغضب لأجل الإهانات، وينفصل نهائياً مِن المذنبين، أمّا المسيح فيبتسم ويأمرنا: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلـّوا لأجل الّذين يسيئون إليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الّذي في السماوات" (متّى 5، 44- 45). أمّا بالنسبة للإخوة بالإيمان، فطلب المسيح منا أن نسامحهم 490 مرة يومياً فقط (7 في70 مرّة) وفوق ذلك يليق بنا أن لا نسامح المذنب إلينا متباهياً، بل نطلب إليه أن يسامحنا هو أيضاً، لأنّنا جميعنا ناقصون في المحبّة والحق، أمام الله والناس. نحتاج إلى الغفران لذواتنا يومياً مِن الله ومِن الإخوة. فلا تتمّ المصالحة بدون الإنحناء، والتقارب لأجل السلام.

ماذا يمنع وحدة المؤمنين؟

 ينبغي على المؤمن أن يقول الحقّ بالمحبّة، ولا يضحّي بالحقّ في سبيل المحبّة، لأنّ المحبّة بدون حق هي كذب. أمّا الحقّ بدون محبّة تؤذي الآخرين. يجب علينا أن نتشجع لنشهد بالحق، حتّى وإذا كانت تعارض هذا الإعتراف تطورات كنسيّة أو ظهورات معيّنة. لا نستطيع كإنجيليين أن نتخلى عن مواهب الإصلاح، بل نتطلع إلى الأمام، ونشهد بعصمة الكتاب المقدّس، كمقياس وحدود وخط لاتّحاد الكنائس. لا يشكّل تعليم الآباء الوحدة الكنائسية، بل يسوع وكلمته فقط هي الأساس. فمَن يعيش حسب كلمة الله ويؤمن بربّنا المخلّص هو أخونا وأختنا في المسيح. إنّما وحتّى في هذا الإطار نجد ممانعات لوحدة المؤمنين. لا نرى أنّ تأليه مريم، والصلاة إليها، والسجود لها، والإبتهالات مِن أجلها، يكون منسجماً ومبنياً على الكتاب المقدّس. لا نجد ذكر أمّ المسيح المحترمة بعد انسكاب الرّوح القدس في أخبار ورسائل الرسل، ولا في رؤيا يوحنّا، حتّى ولا مرّة واحدة، ورغم اختيارها كأمّ ابن الله، ورغم آلامها لأجل موت ابنها، لم تكمّل مريم خلاص العالم، بل يسوع وحده. فمن يسجد لمريم المختارة مِن الله، يجدّف، ويقلل مِن مجد المسيح. ونشكر الله لأجل مريم العذراء، وأمرها الحكيم:"مهما قال لكم، فافعلوه" (يوحنّا 2، 5). هي كانت متواضعة القلب، وأرشدت الّذين حولها إلى إبنها، ليُكملوا شريعته، لا شريعتها أو أوامرها.

ونجد أنّ الإيمان بالأعمال الصالحة، هي مانع أساسي لتوحيد المسيحيين. فلا تُخلّصنا أعمالنا الخاصة، لأنّها ناقصة وملوثة، بل موت يسوع النيابي كحمل الله. لا بدّ من الأعمال الصالحة، كثمار للرّوح القدس، ونتيجة للخلاص، ولكن لا وليس لتبريرنا. خلاصنا يأتي مجّاناً مِن يسوع كنعمة للغير المستحقين. إنّما الأعمال الصالحة الضرورية، لظهور الإيمان الحق، وهي برهان لصلاحية رجوعنا وعملية تبريرنا، كما قال يسوع: " مِن ثمارهم تعرفونهم" (متّى 7، 16). يمنع الاتصال بالقدّيسين الموتى، جريان الرّوح القدس. لا نقرأ في أسفار العهد الجديد أنّ المسيح أمرنا لنصلّي إلى القديسين، بل قال:" تعالوا إليّ، يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أعينكم" (متّى 11، 28). يُنكر القديسون الحقيقيون شرفهم، وفخرهم وقدرتهم الموهوبة لهم، ويدلّون على يسوع وحده. يرمون حسب رؤيا يوحنّا، يرمون تيجانهم تحت قدمي الآب والإبن، ويرفضون السجود وطلباتنا إليهم، ليتوسّطوا ويشفعوا لنا. أمرنا يسوع أن نصلّي مباشرة إلى أبينا السماوي، وليس إلى رسله، وأنبيائه، وقديسيه. كلّ مَن يدعو القديسين أن يكونوا وسطاء لأجلنا، يتعدّى على شرف الآب والإبن! نؤمن بوحدة الثالوث القدّوس، وليس أحد بجانبه.

مَن يغفر خطايا التائبين المؤمنين؟ هل يحقّ هذا الإمتياز إلى الكاهن والأسقف والبابا؟ إن يسوع وهب مفاتيح السماء إلى جميع رسله، فمن يحرّروه باسمه، فهو متحرّر. ومَن يربطون باسمه. فهو مربوط. وساقط إلى جهنم. إنّما هذا السلطان لا يكون تحت تصرّف الإنسان، وأمنيته وقراره الخاص. لا أحد إلاّ الآب والإبن يغفر الخطايا بقوّة الرّوح القدس. مَن يقرأ كلمة الله، ويتغيّر في ذهنه، ويؤمن بكلمة ربّه، ينل غفران جميع خطاياه مجاناً لأجل إيمانه. هذا الحلّ يستطيع أن يتحقّق بسبب عظة مبنية على الصليب، أو كلمات معزّية مِن كهنة وأساقفة، إنّما هذا الحدوث الروحي يتحقّق تلقائياً، في قراءة الكتاب المقدّس، أو مِن شهادة أتباع غير مرسومين أيضاً. فليس للكهنة وحدهم امتياز خاص لمغفرة الخطايا، فكهنوت جميع المؤمنين حقّ في نعمة المسيح. هل للبابا المحترم في روما سلطان على جميع الأساقفة والكنائس؟ كان بطرس كليم الرسل، ولكن ليس مديرهم، ولا رئيسهم. هو كان الأول مع الرسل على مساواة.

ويمنع الباباوات، المؤمنين مِن رعاياهم، أن يشتركوا في العشاء الربّاني للكنائس الأخرى، ولا يسمح لهم بالإعتراف إلاّ ضمن كنيستهم، ولا يسمحون لهم بالإجتماع في سبيل إتّحاد الكنائس إلا كمراقبين. يظنّ الباباوات أنّ ينبغي للكنائس الأخرى، أن ترجع إلى الأمّ الكنيسة الكاثوليكية، لينالوا ملء البركة. ولا يقدرون أن يفكّروا أنّ وحدة الكنائس تتم إلاّ تحت رئاسة البابا. فهذا غرور عميق، لأنّ يسوع هو رأس الكنيسة، وليس البابا. جسد المسيح الروحي يعيش، حتّى دون الباباوات. يتحقّق هيكل الرّوح القدس في كلّ المؤمنين المتجددين، وفي كلّ الجماعات المبنية على الكتاب المقدّس، بقوّة الله، بدون عقائد معقدة، وبدون تنظيمات بشرية دنيوية. توجد عثرات كثيرة، وممانعات متعدّدة لوحدة الكنائس، مثْل التعاليم المختلفة عن العشاء الربّاني، والقدّاس لأجل الأموات، أو القوانين الكنسية التي تربط أعضاء هذه الكنائس، رغم أنّ هذه الوصايا مبنية على أفكار بشرية. الطموح إلى السلطة والأبّهة في بعض الأحبار الكنسية، هي كانت وتكون مانعاً فاصلاً للوئام والوحدة الروحية. أما العلّة في الكنائس الإنجيلية هي ظاهرة، لأنّ النَقد العقلي تغلغل إليها ، لنصوص الكتاب المقدّس، ويُألّهون الذكاء البشري كأنّه يستطيع أنّ يحل مشاكل العالم. تدخلت منظمات مختلفة مثل الماسونية إلى بعض الهيئات في الكنائس، وأثّرت في طقوسهم. واهتمّت بإنجيل الأعمال، وليس بنشر الكلمة ويدعون إلى توحيد الأديان إلى دين عالمي بدون إبن الله المصلوب. يظنّ بعض الكنائس الخمسينية أنّ روحانيتهم وعواطفهم تبني وحدة المتحمّسين. أمّا يسوع فصلّى:" أحمدك أيّها الآب، ربّ السماء والأرض، لأنّك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال. نعم أيّها الآب، لأنّ هكذا صارت المسرّة أمامك. كلّ شيء قد دُفع إليّ مِن أبي، وليس أحد يعرف الإبن إلا الآب، ولا أحد يعرف الآب، إلاّ الإبن ومَن أراد الإبن أن يُعلن له" (متّى 11، 25- 27).

إنّ كنيسة المسيح مفعمة بالحياة. وهي واحدة في الرّوح القدس، إن كانوا مِن العرق الأبيض أو الأسود، أو العرق الأصفر والأحمر. فكلّ مَن يحبّ يسوع، ونال مِن موته على الصليب غفران خطاياه، يعيش في الرّوح القدس، وأصبح عضواً عاملاً في جسده الرّوحي. "فرح الربّ هو قوّتهم". وهم يعرفون بعضهم بعضاً بالرّوح، الحالّ فيهم، عندما يلتقون. يوحّدهم رباط محبّة المسيح رغم المشاكل القائمة. لا يحتاج هذا التوحيد إلى مؤسّسة خاصّة، ولا إلى هيئة إدارية عليا. هذه الوحدة تحتاج إلى آذان مفتوحة لكلمة الله، وقلب مشتاق لإنجيله. عندئذ تتحقّق وحدة الكنيسة دون برامج ودعايات. الربّ نفسه يجمع رعيته. ويقودها بدون ضجيج، نحو هدف مواعيده. هو الراعي الصالح لرعيته النائمة. هو ورعيته واحد فيحفظهم في محبّته وحقّه (يوحنّا 14، 10- 16 و27-30).

 

هل أدركت وفهمت دعوة المسيح في هذه التأملات؟

أيّها القارئ العزيز إن أحببت إعلانات يسوع في الإنجيل وتعمّقت في مواضيع هذا الكتيّب تستطيع الإجابة على الأسئلة التالية بسهولة:

 الأسئلة:

1-   ما هو جواب يسوع عن تجربة الشيطان الّذي طلب منه أن يصنع الخبز مِن الحجارة في البرّية (متّى 4، 4 ولوقا 4، 4)؟

2-   مَن يعيش اليوم بين شعب غني أو شعب فقير؟

3-   ماذا تشمل العبارة (خبزنا) الّذي ينبغي أن نطلبه يوميّاً مِن أبينا السماوي؟

4-   مَن هو واهب الخبز؟ ولماذا لا يجوز أن نهتمّ أكثر مِن اللازم بالقوت والكسوة؟ وهل نشكره على القليل بين أيدينا؟

5-   ما هو الفرق بين العبارتين: خبزنا أو خبزي؟

6- ما هي الشعوب العشرة الأكثر فقراً في العالم؟

7-   لماذا أكثرية الدول العربية ليست مِن عداد الدول الفقيرة؟

8-   مَن يريد أن يساعد فكيف ولمن يعين؟

9-   لماذا يكون نشر الإنجيل ضرورياً جداً مع كل مساعدة ماديّة؟

10- لماذا لم يقدر الربّ أن يستجيب صلوات كثيرة؟

11- ماذا تعني شهادة المسيح: أنا هو خبز الحياة (يوحنّا 6، 35).

12- كم عدد أعضاء كلّ دين مِن الأديان الرئيسية في أرضنا؟

13- ما هي الكنائس الرئيسة الثلاث في دنيانا؟ وما عدد أعضاء كلّ منها؟

14- ما عدد الكنائس المستقلّة (سينودس) في عالمنا؟

15- ما عدد اللغات الخاصّة التي ينطقها الإنسان في العالم اليوم؟

16- ماذا حاول رؤساء الكنائس ليقرّبوا الكنائس المختلفة؟

17- أي نوع مِن الوحدة تكلّم عنها يسوع في صلاته الشفاعية؟

18- كيف يكون الآب السماوي ويسوع ابنه الروحي واحدا بالحقيقة؟

19- كيف تقصد وحدة الثالوث الأقدس أن تجذبنا إلى وحدتها ومحبّتها؟

20- ما هي الأعمدة الثلاث الروحيّة التي توحد الكنائس الحقّة؟

21- ماذا تبني الوحدة بين الكنائس؟

22- ماذا تمنع الوحدة بين الكنائس؟

23- أيّة عبارة مِن صلاة يسوع الشفاعية أثّرت فيك أكثر ولماذا؟ (يوحنّا 17، 22- 23)

إنْ أجبت على 75% مِن الأسئلة أعلاه بصواب نرسل لك الكُتيّب التالي.

ونطلب منك أن تدوّن عنوانك كاملاً على أوراق المسابقة. نصلّي لأجلك لكي تتحقّق كلمات الإنجيل فيك، ونشكرك إن ابتهلت لأجلنا أيضاً؟

ص. ب. 226 - مزرعة يشوع  -  المتن - لبنان   الحياة الفضلى

family@hayatfudla.org

أحفظ جواهر الوحي غيباً تُغني نفسك وأصدقاءك روحياً

21 لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً وَاحِداً فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي.

22 وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. 23 أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ، لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِد،

وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي وأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي.

(من صلاة المسيح الشفاعية حسب البشير يوحنّا 17: 21 -23)

تسبيح وحدة الثالوث القدوس

للواحِدِ الرَّحمانْ الخالِقِ الأكوانْ تَسْبيحُنا

للآب بارينا والابن فادينا

والرُّوحِ مُحيينا

 نُهدي الثَّنا

 

يا صانعَ الفِدا بارِك مِنَ السما

جُمُوعَنا

واحْمِ مِنَ العِدَى واحفظ مِنَ الرَّدى

أَرشدْ إلى الهُدى

 نُفُوسنا

 

يا كلمة الإله يا سامعَ الصَّلاة

يا غافِرُ

بالآبِ فَرِّحْنا وروحَكَ امنَحنا

يا ربُّ نجحنا

 يا ناصِرُ

 

يا روحَ قُدْسِ الله يا مَصْدَرَ الحَياة

يا قادِرُ

أُستُرْ عُيُوبنا واغسِلْ ذُنُوبَنا

قَدِسْ قُلُوبنا

يا طاهِرُ

 

للخالِقِ اسجُدوا يا قومُ واعبُدُوا

ذاكَ الصَّمَدْ

للواحِدِ العَظيمْ ثالُوثِنا القَديمْ

تَسبيحنا نُقيمْ

 إلى الأبد

 

وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ،

 أَنْ يَعْرِفُوكَ،

 أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ

 وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.

(من صلاة المسيح الشفاعية حسب البشير يوحنا 17: 3)